0 / 0
215,95305/05/2010

لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ولو مازحا

السؤال: 147527

أعلم أنه يحرم المزاح بالكذب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ) رواه أبو داود .
لكن ما شأن الرواية التالية ، هل هي صحيحة :
يبدو أن النعيمان كذب ، وقال بأن سويبط بن حرملة كان عبدا ، وتقول هذه الرواية أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك على ما قام به النعيمان .
ذهب أبو بكر وبعض الصحابة في قافلة تجارية للبصرة ، وقد تم تكليف العديد ممن هم في القافلة ببعض المهام المحددة ، وكان سويبط بن حرملة مسئولا عن الطعام والمؤن ، وكان النعيمان أحد أفراد الجماعة ، وفى طريقه شعر بالجوع ، وطلب من السويبط بعض الطعام ، فرفض السويبط ، فقال له النعيمان : هل تعلم ماذا يمكنني أن أفعل معك ، وأخذ يحذره ويهدده ، لكن السوبيط أصر على الرفض ، فذهب النعيمان إلى جماعة من العرب في السوق ، وقال لهم : هل ترغبون في عبد قوي وجلد يمكنني أن أبيعه لكم ؟ فأجابوا بالإيجاب . فأكمل النعيمان : إنه عبد له كلام ، وهو سيقاومكم ، ويقول لكم إني حر ، لكن لا تسمعوا له .
فدفع الرجال ثمن العبد عشر قلائص ( قطع ذهبية ) وقبل بها النعيمان ، وبدا أنه سيتم الصفقة بكفاءة تجارية ، وصحبه المشترون لجلب العبد ، وقال مشيرا إلى السويبط : هذا هو العبد الذي أخبرتكم عنه . فأمسك الرجال بالسويبط ، وأخذ هو في الصياح مدافعا عن حياته الغالية وعن حريته ، وقال : أنا حر ، أنا السويبط بن حرملة . لكنهم لم يلقوا له بالا ، وسحبوه من رقبته كما كانوا سيفعلون مع أي عبد .
وفى أثناء ذلك لم يضحك النعيمان ولم يحرك ساكنا ، وظل هادئا تماما ، بينما كان السويبط يحتج بمرارة ، وبعد أن أدرك أصحاب السويبط في السفر ما يحدث أسرعوا في إحضار أبي بكر قائد القافلة الذي ذهب جاريا بأسرع ما يمكنه ، وأوضح للمشترين ما حدث ، ولهذا قاموا بإطلاق سراحه ، واستعادوا نقودهم ، ثم ضحك أبو بكر بشدة ، كما فعل السويبط ، والنعيمان ، وعندما عادوا للمدينة ورويت القصة للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ضحكوا جميعا .
وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذه القصة جاءت من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت :

( أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى ، وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ ، وَكِلَاهُمَا بَدْرِيٌّ ، وَكَانَ سُوَيْبِطٌ عَلَى الزَّادِ ، فَجَاءَهُ نُعَيْمَانُ ، فَقَالَ : أَطْعِمْنِي ، فَقَالَ : لَا ، حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ نُعَيْمَانُ رَجُلًا مِضْحَاكًا مَزَّاحًا – أي كثير الضحك والمزاح – ، فَقَالَ : لَأَغِيظَنَّكَ . فَذَهَبَ إِلَى نَاسٍ جَلَبُوا ظَهْرًا ، فَقَالَ : ابْتَاعُوا مِنِّي غُلَامًا عَرَبِيًّا فَارِهًا ، وَهُوَ ذُو لِسَانٍ ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ : أَنَا حُرٌّ ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ لِذَلِكَ ، فَدَعُونِي ، لَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي ، فَقَالُوا : بَلْ نَبْتَاعُهُ مِنْكَ بِعَشْرِ قَلَائِصَ – أي : عشر نوق ، جمع ناقلة – . فَأَقْبَلَ بِهَا يَسُوقُهَا ، وَأَقْبَلَ بِالْقَوْمِ حَتَّى عَقَلَهَا ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ : دُونَكُمْ هُوَ هَذَا ، فَجَاءَ الْقَوْمُ ، فَقَالُوا : قَدْ اشْتَرَيْنَاكَ . قَالَ سُوَيْبِطٌ : هُوَ كَاذِبٌ ، أَنَا رَجُلٌ حُرٌّ ، فَقَالُوا : قَدْ أَخْبَرَنَا خَبَرَكَ ، وَطَرَحُوا الْحَبْلَ فِي رَقَبَتِهِ ، فَذَهَبُوا بِهِ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأُخْبِرَ ، فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابٌ لَهُ ، فَرَدُّوا الْقَلَائِصَ وَأَخْذُوهُ .  فَضَحِكَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا )

رواه أحمد في ” المسند ” (44/284) وهذا سياق لفظه ، وابن ماجه في ” السنن ” (رقم/3719) وغيرهم جميعهم من طريق زمعة بن صالح عن الزهري .

وزمعة بن صالح هذا ضعَّفه أهل العلم ، قال فيه الإمام أحمد : ضعيف . وقال فيه أبو داود : لا أخرج حديثه . وقال البخاري : يخالف في حديثه ، تركه ابن مهدي أخيرا . وسئل أبو زرعة عنه ، فقال : لين واهي الحديث ، حديثه عن الزهرى كأنه يقول : مناكير . وهكذا أجمعت كلمة المحدثين على تضعيف حديثه . انظر: ” تهذيب التهذيب ” (3/339)

ولذلك ضعف الحديث البوصيري في “مصباح الزجاجة” (4/115) والشيخ الألباني في ” ضعيف ابن ماجه ” وهذا الحكم أصوب من حكم الحافظ الذهبي على الحديث في “السيرة النبوية مقدمة تاريخ الإسلام” (ص/136) بأنه حديث حسن .

ثم إن هذا الحديث الضعيف يخالف ما ثبت في الشريعة من تحريم ترويع المسلم وتخويفه ولو كان على وجه المزاح واللعب ، كما روى ذلك عبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ ، فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) رواه أبو داود (رقم/5004)

ورغم تضعيف قصة نعيمان وسويبط فقد أجاب عنها العلماء على فرض صحتها ، وبينوا أنها لا تدل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لترويع المسلمين بالمزاح ، ونحن ننقل ههنا كلامهم لمزيد الفائدة ، وإلا فضعف الحديث يغني عن الجواب عنه .

يقول أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :

” إنما في الحديث ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك الفعل حولا ، كمثل ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون بأمور الجاهلية ، فيضحك أصحابه من ذلك بمحضره من غير نهي منه إياهم عن ذلك ، وإن كانت تلك الأفعال ليس بمباح لهم فعل مثلها في الإسلام

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من ترويع المسلم – فذكر حديث السائب ” لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ” – فكان ذلك تحريما منه لمثل ذلك ، ونسخا لما كان قد تقدمه مما ذكرناه في هذا الباب مما تعلق به من تعلق ممن يذهب إلى إباحة مثله إن كان مباحا حينئذ ” انتهى.

” شرح مشكل الآثار ” (4/305-308)

ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

” من ائتمنه المالك ، كوديع ، يمتنع عليه أخذ ما تحت يده من غير علمه ؛ لأن فيه إرعابا له بظن ضياعها ، ومنه يؤخذ حرمة كل ما فيه إرعاب للغير ، ودليله أن زيد بن ثابت نام في حفر الخندق ، فأخذ بعض أصحابه سلاحه ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم من يومئذ ، ذكره في ” الإصابة “.

لكن يشكل عليه ما رواه أحمد أن أبا بكر خرج تاجرا ومعه بدريان : نعيمان ، وسويبط ، فقال له أطعمني …- فذكر القصة – .

وقد يجمع بحمل النهي على ما فيه ترويع لا يُحتمل غالبا ، كما في القصة الأولى ، والإذن على خلافه كما في الثانية ؛ لأن نعيمان الفاعل لذلك معروف بأنه مضحاك مزاح ، كما في الحديث ، ومن هو كذلك الغالب : أن فعله لا ترويع فيه ، كذلك عند من يعلم بحاله ، فتأمل ذلك فإني لم أر من أشار لشيء منه مع كثرة المزاح بالترويع ، وقد ظهر أنه لا بد فيه من التفصيل الذي ذكرته .

ثم رأيت الزركشي قال في ” تكميله ” نقلا عن ” القواعد “: إن ما يفعله الناس من أخذ المتاع على سبيل المزاح حرام ، وقد جاء في الحديث : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا جادا ) جعله لاعبا من جهة أنه أخذه بنية رده ، وجعله جادا لأنه روع أخاه المسلم بفقد متاعه ا هـ . وما ذكرته أولى وأظهر كما هو واضح ” انتهى.

” تحفة المحتاج ” (10/287)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android