0 / 0

يرغب بالتزوج من امرأة باكستانية متدينة وأهله يريدونها فلسطينية من أجل القضية !

السؤال: 150405

أنا شاب بريطاني من أصل فلسطيني ، ولكني لا أحمل إلا الجنسية البريطانية ، وأنا أدعو إلى الله في هذه البلاد بقدر ما أستطيع طاعة لله عز وجل ومن أجل أن أشعر بالارتباط لديني وجنسيتي الأصلية ، كما أني على وشك أن أكمل دراستي الجامعية في مجال الطب ، وأنوي بإذن الله تعالى أن أتزوج في أقرب فرصة ، وقد وجدت الفتاة المناسبة التي وجدت فيها التدين والشخصية الرائعة بالإضافة إلى بعض المواصفات الأخرى التي أبحث عنها ، وأحب أن أشير هنا إلى أني لست من الشباب الذين يؤمنون بـ ” الحب قبل الزواج ” ، لذلك ليس بيني وبين هذه الفتاة أي نوع من أنواع التواصل إلى أن يأذن الله بالزواج .
ولكن هناك مشكلة تعترض طريق زواجي من هذه الفتاة ، هذه المشكلة هي أن والدايَّ يرفضان فكرة الزواج بها ؛ وذلك لأنها من أصول باكستانية ، ويقولان : إنه يجب عليّ أن أتزوج فتاة فلسطينية لكي أشعر بانتمائي ، ولأننا في حرب هناك في ” فلسطين ” ونحن بحاجة إلى أن نكثر نسلنا قدر الإمكان ، ويريان أن زواجي بفلسطينية هو نوع من أنواع النصرة للفلسطينين والجهاد ضد الصهاينة ، كما أنهم يقولون إن زواجي بفتاة غير فلسطينية من شأنه أن يؤثر في أولادي فينشؤون نشأة منفصمة غير ملتفتين إلى قضيتهم الأصل ، ألا وهي قضية ” فلسطين ” ، كما أن تربية والدتهم ستؤثر عليهم فينشؤن على غير حمل هموم القضية الفلسطينية ، وأن هذا سيكون فيه خدمة غير مباشرة للمخططات الصهيونية في طمس الهوية الإسلامية والفلسطينية .
قد يكون في هذا الكلام شيء من المنطق ، ولكن هذه الفتاة لطالما كانت متحمسة للقضية الفلسطينية ، ولطالما شاركت في فعاليات لدعم القضية ، إذاً فلست أرى أن مانعاً من أن أتزوجها ، كما أنني أخاف إن أنا انصعت لكلام والداي وتزوجت من يرونه هم فعند ذلك سأشعر أني تزوجت من لا أريد ومن لا رغبة لي بها ، حتى وإن سلمتُ لوالدي بهذا الشرط فسأجد صعوبة في تطبيق بقية شروطهما التي يشترطانها في أبوي من سأتزوجها ، فإنهما يشترطان أن لا يكون أبواها مطلقيْن ! وأن يكونا متعلميْن ! وأن يكون لدى والدها عمل مرموق ! إلى آخره من المظاهر الاجتماعية الجوفاء التي لا تمت إلى لب موضوع الزواج بصلة .
إنني أحب والداي ولا أريد أن أغضبهما ، لكن في الوقت ذاته أرى أنه قد طال البحث عن زوجة ، وأظنني وجدت ضالتي في هذه الفتاة ، ففيها كل ما أبحث عنه من تدين إلى جمال إلى قوة شخصية ، أسئلتي هي :
– أيحق لوالداي أن يرفضا زواجي بهذه الفتاة لا لشيء إلا لأنها من أصل باكستاني وليست فلسطينية حتى وإن كانت متدينة ؟ وهل يحق لهما أن يجبراني على عدم الزواج بها ؟ .
– إنهما يهدداني بقطع علاقتي بهما ونبذي من الأسرة نهائيّاً إن لم أتزوج بفلسطينية ، ويقولان إن لم أفعل ذلك فسأكون قد عصيتهما ، فهل يجوز لهما هذا ؟ .
– هل يُشترط للرجل رضا والديه لكي يتزوج طالما أنه وجد من يَرضى دينها وخلقها ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
لا يختلف المسلمون في وجوب بر الوالدين ، والإحسان إليهما بالقول والفعل ، والأوامر بذلك في الكتاب والسنَّة معلومة مشهورة ، ومنها قوله تعالى ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/ 15 ، وقوله تعالى ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء/ 23 .
ولكن ليُعلم أن القاعدة في طاعة الوالدين الواجبة هي : ” أنه تجب طاعتهما فيما فيه نفع لهما ولا ضرر على الولد فيه ” ، ولو كانت الطاعة الواجبة مطلقة في كل شيء – أي : في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب – : لحصل في هذا مفاسد كثيرة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شي لا ضرر على أبيه فيه وللولد فيه منفعة ، ولو قلنا : إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شي حتى في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب : لحصل في هذا مفاسد .
” فتاوى المرأة المسلمة ” ( 2 / 641 ) .
ثانياً:
اختيار الزوجة ليس مخاطباً به آباء الأزواج ولا أمهاتهم ، بل المخاطب به هو الزوج نفسه ، فهو الذي قيل له ( ولا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/ 221 ، وهو الذي قيل له ( فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ ) – رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) – ولا يتعدى دور الوالدين عن الاستشارة في الاختيار لا الاختيار نفسه فضلاً عن إجبار الابن عليه .
وإذا كان الطعام والشراب لا يُختلف في أنه لا يجوز إجبار الوالدين ابنهم على نوعهما : فالزواج أولى وأحرى بالحكم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ليس لأحدِ الأبوين أن يُلزم الولد بنكاح مَن لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاقّاً ، وإذا لم يكن لأحدٍ أن يلزمه بأكل ما ينفِر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه : كان النكاح كذلك ، وأولى ؛ فإن أكل المكروه مرارة ساعة ، وعشرة المكروه من الزوجين على طول : يؤذي صاحبه كذلك ، ولا يمكن فراقه .
” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 30 ) .

ثالثاً:
قد يعترض الوالدان على اختيار ابنهما لامرأة لينكحها بسبب ديني كأن تكون لا تصلي ، أو تكون متبرجة ، أو يكون لأهلها سمعة سيئة ويخشون من القرب منهم ، وغير ذلك مما يشبه هذه الأسباب : فنرى – حينئذٍ – أنه يجب على الابن طاعة والديه في عدم اختيار تلك الزوجة ، بل كل عاقل لو أمر الزوج بترك التزوج بها : فإنه لا يسعه مخالفة ذلك ، فأمر الوالدين أحرى بالتنفيذ .
وأما إن كانت أسباب رفض الوالدين دنيوية مثل كونها غير جميلة ، أو من غير قبيلة أهله ، أو كون والديها غير مثقفين ، أو غير أغنياء : فكل هذه الأسباب لا تُلزم الابن بطاعة والديه ، بل له الخيار في اختيار من تناسبه من ذوات الدِّين ، وله الرضوخ لاختيار والديه والنزول عند رغبتهما إن شاء .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها ، سواء كان لعيب فيها ديني أو خَلقي ، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن ، يقول : تزوجها لأنها بنت أخي ، أو لأنها من قبيلتك ، وغير ذلك ، فلا يلزم الابن أن يقبل ، ولا يجوز لوالده أن يجبره عليها .
” فتاوى المرأة المسلمة ” ( 2 / 640 ) .
على أننا نقول للوالدين الكريمين : مع احترامنا الشديد لوجهة نظركما ، في أن تبقى الأجيال في الغربة وبلاد المهجر على ذكر دائم ، وتواصل مع قضية بلادهم وأوطانهم ، فليس في الزواج من امرأة مسلمة ، غير فلسطينية ، ما يهدم ذلك في شيء ؛ بل على العكس من ذلك ، ربما كانت المبالغة في تلك الظنون ، وبالصورة التي قرأناها ، ربما كان في ذلك خدمة لأهداف العلمانيين ، من حيث لا يشعرون ؛ وذلك بأن تتحول قضية فلسطين والقدس إلى قضية قومية وطنية ، تخص الفلسطينين وحدهم ، ويعمل لها الفلسطينيون وحدهم ، ولا يعنى بحمل همهما المسلم الباكستاني والبنغالي والهندي ؛ وهذا طريق الضياع والتيه ، وسلم الخذلان والعياذ بالله ؛ فهذه قضية الفلسطينيين ، نعم ، أولا وقبل كل شيء ؛ لكنها أيضا من حق كل مسلم ، بل من واجبه أيضا .

وخلاصة الجواب عن أسئلتك :
1. لا يحق لوالديك أن يرفضا زواجك بتلك الفتاة لأنها من أصل باكستاني وليست فلسطينية ، ولا يحق لهما أن يجبراك على عدم الزواج بها .
2. لا يجوز لهما أن يهدداك بقطع علاقتهما بك ونبذك من الأسرة إن لم تتزوج بفلسطينية ، ولا تكون عاصياً لهما إن خالفت رأيهما .
3. لا يُشترط للرجل رضا والديه لكي يتزوج طالما أنه وجد من يَرضى دينها وخلقها .

رابعاً:
الذي ننصحك به أنه إن لم تكن متعلقاً بتلك الفتاة ، وأمكنك اختيار غيرها من ذوات الدين ممن يرضى عنها أهلك فهو أفضل ؛ لأنك تجمع بذلك بين تحقيق رغبتك ورغبتهما ، وإن كان قلبك متعلقاً بها ، أو رأيت غيرها لا تنطبق عليه شروط أهلك المهمة ، فترفق بإقناعهما ، ولا تقطع حبل الصلة بينك وبينهما ، ووسِّط من أهل الخير والعقل من يحاول إقناعهما بتحقيق رغبتك وبتخطئتهما في شروطهما القاسية .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
هل من حق الفتى أن يختار شريكة حياته بنفسه ، أم والداه هم اللذان يجبرانه على أن يأخذ فتاةً معينة ، فمثلاً : والدي يصر على أن يزوجني من ابنة عمي ، وليس لي رغبةٌ فيها ، هل عدم طاعة الوالدين في هذه الحالة تعتبر من العقوق ؟ .
فأجاب :
لا يلزمك ؛ لأن النكاح أمره عظيم ، فإذا كانت المرأة لا تناسبك : فإنه لا يلزمك ، ( إنما الطاعة في المعروف ) ، لكن تستسمح والديك بالكلام الطيب والأسلوب الحسن ، حتى تلتمس أنت ووالداك امرأة ً تناسبك ، فإن الزواج من امرأة لا تناسبك ولا تريدها : يضر ولا ينفع ، فالواجب على والديك أن لا يجبراك على امرأةٍ لا تريدها ، والواجب عليك أن تستسمحهما ، وأن تستعمل معهما الرفق والكلام الطيب حتى لا تقع بينك وبينهما شيء من العقوق ، والفرقة ، والاختلاف .
” فتاوى نور على الدرب ” ( شريط رقم 911 ) .
وانظر جوابي السؤالين ( 30796 ) و (98768 ) فهما مهمان في المسألة .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android