أنا شاب بريطاني من أصل فلسطيني ، ولكني لا أحمل إلا الجنسية البريطانية ، وأنا أدعو إلى الله في هذه البلاد بقدر ما أستطيع طاعة لله عز وجل ومن أجل أن أشعر بالارتباط لديني وجنسيتي الأصلية ، كما أني على وشك أن أكمل دراستي الجامعية في مجال الطب ، وأنوي بإذن الله تعالى أن أتزوج في أقرب فرصة ، وقد وجدت الفتاة المناسبة التي وجدت فيها التدين والشخصية الرائعة بالإضافة إلى بعض المواصفات الأخرى التي أبحث عنها ، وأحب أن أشير هنا إلى أني لست من الشباب الذين يؤمنون بـ ” الحب قبل الزواج ” ، لذلك ليس بيني وبين هذه الفتاة أي نوع من أنواع التواصل إلى أن يأذن الله بالزواج .
ولكن هناك مشكلة تعترض طريق زواجي من هذه الفتاة ، هذه المشكلة هي أن والدايَّ يرفضان فكرة الزواج بها ؛ وذلك لأنها من أصول باكستانية ، ويقولان : إنه يجب عليّ أن أتزوج فتاة فلسطينية لكي أشعر بانتمائي ، ولأننا في حرب هناك في ” فلسطين ” ونحن بحاجة إلى أن نكثر نسلنا قدر الإمكان ، ويريان أن زواجي بفلسطينية هو نوع من أنواع النصرة للفلسطينين والجهاد ضد الصهاينة ، كما أنهم يقولون إن زواجي بفتاة غير فلسطينية من شأنه أن يؤثر في أولادي فينشؤون نشأة منفصمة غير ملتفتين إلى قضيتهم الأصل ، ألا وهي قضية ” فلسطين ” ، كما أن تربية والدتهم ستؤثر عليهم فينشؤن على غير حمل هموم القضية الفلسطينية ، وأن هذا سيكون فيه خدمة غير مباشرة للمخططات الصهيونية في طمس الهوية الإسلامية والفلسطينية .
قد يكون في هذا الكلام شيء من المنطق ، ولكن هذه الفتاة لطالما كانت متحمسة للقضية الفلسطينية ، ولطالما شاركت في فعاليات لدعم القضية ، إذاً فلست أرى أن مانعاً من أن أتزوجها ، كما أنني أخاف إن أنا انصعت لكلام والداي وتزوجت من يرونه هم فعند ذلك سأشعر أني تزوجت من لا أريد ومن لا رغبة لي بها ، حتى وإن سلمتُ لوالدي بهذا الشرط فسأجد صعوبة في تطبيق بقية شروطهما التي يشترطانها في أبوي من سأتزوجها ، فإنهما يشترطان أن لا يكون أبواها مطلقيْن ! وأن يكونا متعلميْن ! وأن يكون لدى والدها عمل مرموق ! إلى آخره من المظاهر الاجتماعية الجوفاء التي لا تمت إلى لب موضوع الزواج بصلة .
إنني أحب والداي ولا أريد أن أغضبهما ، لكن في الوقت ذاته أرى أنه قد طال البحث عن زوجة ، وأظنني وجدت ضالتي في هذه الفتاة ، ففيها كل ما أبحث عنه من تدين إلى جمال إلى قوة شخصية ، أسئلتي هي :
– أيحق لوالداي أن يرفضا زواجي بهذه الفتاة لا لشيء إلا لأنها من أصل باكستاني وليست فلسطينية حتى وإن كانت متدينة ؟ وهل يحق لهما أن يجبراني على عدم الزواج بها ؟ .
– إنهما يهدداني بقطع علاقتي بهما ونبذي من الأسرة نهائيّاً إن لم أتزوج بفلسطينية ، ويقولان إن لم أفعل ذلك فسأكون قد عصيتهما ، فهل يجوز لهما هذا ؟ .
– هل يُشترط للرجل رضا والديه لكي يتزوج طالما أنه وجد من يَرضى دينها وخلقها ؟ .
يرغب بالتزوج من امرأة باكستانية متدينة وأهله يريدونها فلسطينية من أجل القضية !
السؤال: 150405
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
لا يختلف المسلمون في وجوب بر الوالدين ، والإحسان إليهما بالقول والفعل ، والأوامر بذلك في الكتاب والسنَّة معلومة مشهورة ، ومنها قوله تعالى ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/ 15 ، وقوله تعالى ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء/ 23 .
ولكن ليُعلم أن القاعدة في طاعة الوالدين الواجبة هي : ” أنه تجب طاعتهما فيما فيه نفع لهما ولا ضرر على الولد فيه ” ، ولو كانت الطاعة الواجبة مطلقة في كل شيء – أي : في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب – : لحصل في هذا مفاسد كثيرة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شي لا ضرر على أبيه فيه وللولد فيه منفعة ، ولو قلنا : إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شي حتى في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب : لحصل في هذا مفاسد .
” فتاوى المرأة المسلمة ” ( 2 / 641 ) .
ثانياً:
اختيار الزوجة ليس مخاطباً به آباء الأزواج ولا أمهاتهم ، بل المخاطب به هو الزوج نفسه ، فهو الذي قيل له ( ولا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/ 221 ، وهو الذي قيل له ( فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ ) – رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) – ولا يتعدى دور الوالدين عن الاستشارة في الاختيار لا الاختيار نفسه فضلاً عن إجبار الابن عليه .
وإذا كان الطعام والشراب لا يُختلف في أنه لا يجوز إجبار الوالدين ابنهم على نوعهما : فالزواج أولى وأحرى بالحكم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ليس لأحدِ الأبوين أن يُلزم الولد بنكاح مَن لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاقّاً ، وإذا لم يكن لأحدٍ أن يلزمه بأكل ما ينفِر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه : كان النكاح كذلك ، وأولى ؛ فإن أكل المكروه مرارة ساعة ، وعشرة المكروه من الزوجين على طول : يؤذي صاحبه كذلك ، ولا يمكن فراقه .
” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 30 ) .
ثالثاً:
قد يعترض الوالدان على اختيار ابنهما لامرأة لينكحها بسبب ديني كأن تكون لا تصلي ، أو تكون متبرجة ، أو يكون لأهلها سمعة سيئة ويخشون من القرب منهم ، وغير ذلك مما يشبه هذه الأسباب : فنرى – حينئذٍ – أنه يجب على الابن طاعة والديه في عدم اختيار تلك الزوجة ، بل كل عاقل لو أمر الزوج بترك التزوج بها : فإنه لا يسعه مخالفة ذلك ، فأمر الوالدين أحرى بالتنفيذ .
وأما إن كانت أسباب رفض الوالدين دنيوية مثل كونها غير جميلة ، أو من غير قبيلة أهله ، أو كون والديها غير مثقفين ، أو غير أغنياء : فكل هذه الأسباب لا تُلزم الابن بطاعة والديه ، بل له الخيار في اختيار من تناسبه من ذوات الدِّين ، وله الرضوخ لاختيار والديه والنزول عند رغبتهما إن شاء .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها ، سواء كان لعيب فيها ديني أو خَلقي ، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن ، يقول : تزوجها لأنها بنت أخي ، أو لأنها من قبيلتك ، وغير ذلك ، فلا يلزم الابن أن يقبل ، ولا يجوز لوالده أن يجبره عليها .
” فتاوى المرأة المسلمة ” ( 2 / 640 ) .
على أننا نقول للوالدين الكريمين : مع احترامنا الشديد لوجهة نظركما ، في أن تبقى الأجيال في الغربة وبلاد المهجر على ذكر دائم ، وتواصل مع قضية بلادهم وأوطانهم ، فليس في الزواج من امرأة مسلمة ، غير فلسطينية ، ما يهدم ذلك في شيء ؛ بل على العكس من ذلك ، ربما كانت المبالغة في تلك الظنون ، وبالصورة التي قرأناها ، ربما كان في ذلك خدمة لأهداف العلمانيين ، من حيث لا يشعرون ؛ وذلك بأن تتحول قضية فلسطين والقدس إلى قضية قومية وطنية ، تخص الفلسطينين وحدهم ، ويعمل لها الفلسطينيون وحدهم ، ولا يعنى بحمل همهما المسلم الباكستاني والبنغالي والهندي ؛ وهذا طريق الضياع والتيه ، وسلم الخذلان والعياذ بالله ؛ فهذه قضية الفلسطينيين ، نعم ، أولا وقبل كل شيء ؛ لكنها أيضا من حق كل مسلم ، بل من واجبه أيضا .
وخلاصة الجواب عن أسئلتك :
1. لا يحق لوالديك أن يرفضا زواجك بتلك الفتاة لأنها من أصل باكستاني وليست فلسطينية ، ولا يحق لهما أن يجبراك على عدم الزواج بها .
2. لا يجوز لهما أن يهدداك بقطع علاقتهما بك ونبذك من الأسرة إن لم تتزوج بفلسطينية ، ولا تكون عاصياً لهما إن خالفت رأيهما .
3. لا يُشترط للرجل رضا والديه لكي يتزوج طالما أنه وجد من يَرضى دينها وخلقها .
رابعاً:
الذي ننصحك به أنه إن لم تكن متعلقاً بتلك الفتاة ، وأمكنك اختيار غيرها من ذوات الدين ممن يرضى عنها أهلك فهو أفضل ؛ لأنك تجمع بذلك بين تحقيق رغبتك ورغبتهما ، وإن كان قلبك متعلقاً بها ، أو رأيت غيرها لا تنطبق عليه شروط أهلك المهمة ، فترفق بإقناعهما ، ولا تقطع حبل الصلة بينك وبينهما ، ووسِّط من أهل الخير والعقل من يحاول إقناعهما بتحقيق رغبتك وبتخطئتهما في شروطهما القاسية .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
هل من حق الفتى أن يختار شريكة حياته بنفسه ، أم والداه هم اللذان يجبرانه على أن يأخذ فتاةً معينة ، فمثلاً : والدي يصر على أن يزوجني من ابنة عمي ، وليس لي رغبةٌ فيها ، هل عدم طاعة الوالدين في هذه الحالة تعتبر من العقوق ؟ .
فأجاب :
لا يلزمك ؛ لأن النكاح أمره عظيم ، فإذا كانت المرأة لا تناسبك : فإنه لا يلزمك ، ( إنما الطاعة في المعروف ) ، لكن تستسمح والديك بالكلام الطيب والأسلوب الحسن ، حتى تلتمس أنت ووالداك امرأة ً تناسبك ، فإن الزواج من امرأة لا تناسبك ولا تريدها : يضر ولا ينفع ، فالواجب على والديك أن لا يجبراك على امرأةٍ لا تريدها ، والواجب عليك أن تستسمحهما ، وأن تستعمل معهما الرفق والكلام الطيب حتى لا تقع بينك وبينهما شيء من العقوق ، والفرقة ، والاختلاف .
” فتاوى نور على الدرب ” ( شريط رقم 911 ) .
وانظر جوابي السؤالين ( 30796 ) و (98768 ) فهما مهمان في المسألة .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة