أود أن أسأل عن تفسير قوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر) وما المقصود بالفحشاء والمنكر؟ وهل صحيح أن الفحشاء هو الزنا والمنكر هو الخمر؟
المقصود بالفحشاء والمنكر في قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
السؤال: 151373
ملخص الجواب
المقصود بالفحشاء في قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) كل فحش من القول أو الفعل وهو كل ذنب استفحشته الشرائع والفطر. والمنكر كل مستقبح غير معروف ولا مرضي. من فسر “الفحشاء” بالزنا، و “المنكر” بالخمر: ليس خارجا عن هذا المعني وإنما هو من باب تفسير اللفظ العام بأحد أفراده.
Table Of Contents
وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
يقول الله عز وجل: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ العنكبوت/45
وروى ابن أبي شيبة (13 / 298) بسند حسن عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسْعُود رضِي اللهُ عَنْه قَالَ: " لاَ تَنْفَعُ الصَّلاَةُ إِلاَّ مَنْ أَطَاعَهَا" ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" نَفْسُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمَعَاصِي، وَنَفْسُ تَرْكِ الْمَعَاصِي يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَالصَّلَاةُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَهْيُهَا عَنْ الذُّنُوبِ. والثَّانِي تَضَمُّنُهَا ذِكْرِ اللَّهِ" انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/753)
قال ابن عاشور رحمه الله:
" الصلاة تشتمل على مذكرات بالله من أقوال وأفعال من شأنها أن تكون للمصلي كالواعظ المذكر بالله تعالى؛ إذ ينهى سامعه عن ارتكاب ما لا يرضي الله. وهذا كما يقال: صديقك مرآة ترى فيها عيوبك.
ففي الصلاة من الأقوال تكبير لله وتحميده وتسبيحه والتوجه إليه بالدعاء والاستغفار ، وقراءة فاتحة الكتاب المشتملة على التحميد والثناء على الله والاعتراف بالعبودية له وطلب الإعانة والهداية منه واجتناب ما يغضبه وما هو ضلال، وكلها تذكر بالتعرض إلى مرضاة الله، والإقلاع عن عصيانه وما يفضي إلى غضبه، فذلك صد عن الفحشاء والمنكر.
وفي الصلاة أفعال هي خضوع وتذلل لله تعالى من قيام وركوع وسجود، وذلك يذكر بلزوم اجتلاب مرضاته، والتباعد عن سخطه. وكل ذلك مما يصد عن الفحشاء والمنكر.
وفي الصلاة أعمال قلبية من نية واستعداد للوقوف بين يدي الله، وذلك يذكر بأن المعبود جدير بأن تمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه.
فكانت الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي عن الفحشاء والمنكر، فإن الله قال تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ولم يقل تصد وتحول ونحو ذلك مما يقتضي صرف المصلي عن الفحشاء والمنكر.
ثم الناس في الانتهاء متفاوتون، وهذا المعنى من النهي عن الفحشاء والمنكر هو من حكمة جعل الصلوات موزعة على أوقات من النهار والليل، ليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ. وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفوس، وتتباعد النفس من العصيان حتى تصير التقوى ملكة لها.
ووراء ذلك خاصية إلهية جعلها الله في الصلاة، يكون بها تيسير الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
روى أحمد وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، فقال: سينهاه ما تقول أي صلاته بالليل.
واعلم أن التعريف في قوله الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ تعريف الجنس، فكلما تذكر المصلي عند صلاته عظمة ربه ووجوب طاعته، وذكر ما قد يفعله من الفحشاء والمنكر، كانت صلاته حينئذ قد نهته عن بعض أفراد الفحشاء والمنكر" انتهى. "التحرير والتنوير" (20/178-179)
وقال السعدي رحمه الله:
" وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها. " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 632)
المقصود بالفحشاء في قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
المقصود بالفحشاء كل فحش من القول أو الفعل، وهو كل ذنب استفحشته الشرائع والفطر. والمنكر كل مستقبح غير معروف ولا مرضي.
قال ابن العربي رحمه الله:
" قِيلَ: الْفَحْشَاءُ الْمَعَاصِي، وَهُوَ أَقَلُّ الدَّرَجَاتِ، فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْمَعَاصِي وَلَمْ
تَتَمَرَّنْ جَوَارِحُهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى يَأْنَسَ بِالصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا أُنْسًا يَبْعُدُ بِهِ عَنْ اقْتِرَافِ الْخَطَايَا، وَإِلَّا فَهِيَ قَاصِرَةٌ.
والْمُنْكَرُ: هُوَ كُلُّ مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ وَغَيْرُهُ، وَنَهَى عَنْهُ " انتهى.
"أحكام القرآن" (3 / 439-440)، وينظر: "تفسير القرطبي" (10 / 167).
وقال ابن عاشور رحمه الله:
" الفحشاء: اسم للفاحشة، والفحش: تجاوز الحد المقبول. فالمراد من الفاحشة: الفعلة المتجاوزة ما يقبل بين الناس. والمقصود هنا من الفاحشة: تجاوز الحد المأذون فيه شرعا من القول والفعل، وبالمنكر: ما ينكره ولا يرضى بوقوعه.
وكأن الجمع بين الفاحشة والمنكر منظور فيه إلى اختلاف جهة ذمه والنهي عنه " انتهى.
"التحرير والتنوير" (20 /179)
هل يصح تفسير الفحشاء بالزنا والمنكر بالخمر؟
من فسر "الفحشاء" بالزنا، و "المنكر" بالخمر: ليس خارجا عما ذكرناه سابقا، وإنما هو من باب تفسير اللفظ العام بأحد أفراده، كما قيل في تفسير "الجبت" بأنه الشيطان، وقيل: الشرك، وقيل: الأصنام، وقيل: الكاهن، وقيل: الساحر. وقيل غير ذلك.
والجبت يشمل ذلك كله. راجع: "تفسير ابن كثير" (2 / 334)
ولا شك أن الزنا من الفحشاء، بل هو من أفحش الفواحش. ولا ريب ـ أيضا ـ أن الخمر من المنكر، وهي أم الخبائث، ومن أنكر المنكر.لكن ليست الفحشاء مقصورة على الزنا، وليس المنكر مقصورا على شرب الخمر، كما سبق بيانه.
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 33694 ، 9603 ، 228428 ، 222744 ، 65847.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة