لو أن مُسلِمَين اتفقا على شيء ما اتفاقاً لفظيّاً ، فهل يُعدُّ هذا الاتفاق مُلزماً ؟ فهناك شخصان مسلمان أجّر أحدهما بيتاً للآخر ، على أن يدفع المستأجر الإيجار وفواتير الماء والكهرباء والخدمات ..الخ ، وأن المالك إذا أراد من المستأجر أن يُخلي شقته فإن عليه أن يعطيه تنبيهاً قبل ذلك بثلاثة أشهر على الأقل ، ولكن تفاجأ المستأجر أن المالك أتاه فجأة وطلب منه أن يُخلي الشقة في ظرف أسابيع قليلة ( أيّ : مدة أقصر من الثلاثة الأشهر بكثير ) ، وسبب له الكثير من الحرج والضغط والارتباك ، فهل يجب على المستأجر في هذه الحالة أن يدفع فواتير الخدمات ؟ وماذا عن الأضرار التي لحقت بالشقة من جرّاء الاستخدام ، هل يجب عليَّ إصلاحها ؟ .
وعدُ المؤجر للمستأجر بالإمهال قبل الإخلاء هل يُلزمه ؟ ومتى يضمن المستأجر ما تلف في العقار ؟
السؤال: 161932
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
تتم العقود وتترتب عليها آثارها الشرعية في حال اتفاق أطرافها على مقتضاها ، وسواء كان الاتفاق باللفظ – وهو الأكثر – أو بالكتابة فإن العقد يصير شرعيّاً ، وفي حال كان عقد بيع أو إجارة فإنه يكون مُلزماً للطرفين إذا تحقق الإيجاب والقبول بأي صيغة دلَّت عليهما .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 7 / 203 ) :
” يكون الإيجاب باللفظ ، وهو الأكثر ، ويكون بالإشارة المفهمة من الأبكم ونحوه في غير النكاح ، وقد يكون بالفعل كما في بيع المعاطاة ، وقد يكون بالكتابة ، ويكون الإيجاب بالرسالة أو الرسول ، إذ يعتبر مجلس تبليغ الرسالة أو الرسول ، وعلمه بما فيها ، هو مجلس الإيجاب ” انتهى .
وفي ( 32 / 304 ) : ” القبول قد يكون باللفظ كقول المشتري – بعد إيجاب البائع – قبلت ، أو رضيت ، وقد يكون بالفعل كما في البيع بالتعاطي ، وقد يعتبر السكوت قبولا دلالة … .
وقد يكون القبول بالإشارة ، فإن إشارة الأخرس المفهومة تقوم مقام نطقه ، وقد يكون بالكتابة ، فالكتابة بالقبول ينعقد بها التصرف لأنها قبول ” انتهى .
وانظر جوابي السؤالين ( 364 ) و (126855 ) .
وعليه : فالعقد الذي تمَّ لفظيّاً برضا الطرفين ملزم لهما ، ولا يحل لأحدهما أن يفسخ العقد من غير رضا الطرف الآخر .
ثانياً:
لم يظهر في السؤال ما إذا كان عقد الإيجار له مدَّة معلومة ؛ إذ هذا الأمر من شروط الإجارة الصحيحة ، فعلى فرض وجود مدة معينة متفق عليها بين المؤجر والمستأجر : فيكون من حق المستأجر أن يُلزم المؤجرَ بالعقد المتفق عليه بينهما ، وإذا أصرَّ صاحب العقار على إخلاء عقاره المأجور قبل تمام المدة المتفق عليها : فللمستأجر أن يطالب بمبلغ من المال قلَّ أو كثر مقابل تنازله عما تبقى له من المدة ، ولينظر جوابي السؤالين ( 364 ) و (105404 ) .
وإذا لم يكن هناك مدة ينتهي عندها العقد – كما هو الظاهر – : فإن اتفاقهما على أجرة معلومة كل شهر يجعل العقد بينهما لازماً قبل انتهاء الشهر وجائزاً مع بداية الشهر الذي يليه ، فإذا دخل اليوم الأول من الشهر الآخر فيصبح لازماً لهذا الشهر وعلى المستأجر بذل الأجرة المتفق عليها ولا يجوز للمؤجر إخراجه فيه ، وإذا طلب منه إخلاء المأجور وأبدى عدم رغبته بسكناه شهراً جديداً : كان ذلك له ، ووجب على المستأجر إخلاء المأجور ، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
” وإذا آجر الأرض أو الرباع كالدور والحوانيت والفنادق وغيرها إجارة كانت لازمة من الطرفين : لا تكون لازمة من أحد الطرفين جائزة من الطرف الآخر ؛ بل إما أن تكون لازمة منهما أو تكون جائزة غير لازمة منهما عند كثير من العلماء ، كما لو استكراه كل يوم بدرهم ولم يوقت أجلا فهذه الإجارة جائزة غير لازمة في أحد قولي العلماء ، فكلما سكن يوما لزمته أجرته وله أن يسكن اليوم الثاني وللمؤجر أن يمنعه سكنى اليوم الثاني ، وكذلك إذا كان أجل الشهر بكذا أو كل سنة بكذا ولم يؤجلا أجلاً ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 30 / 217 ) .
وفي كلا الحالين – سواء كان العقد له مدة معينة أو كان على الصورة الأخرى – فإنه لا يجوز للمؤْجر أن يطالب المستأجر بإخلاء العقار إن كان اشترط على نفسه أن يعطيه مهلة ثلاثة شهور قبل تلك المطالبة ، والشروط المباحة لازمة لمن اشترطها على نفسه ويجب الوفاء بها ، وتكون تلك الشهور الثلاثة مهلة إضافية على مدة العقد ، وبنفس الشروط التي مضى عليها العقد ، من الأجرة ونحوها .
وإذا لم يكن إعطاء تلك المهلة مما اشترطه المُؤْجر على نفسه ، لكنه وعد به المستأجر : فإنه يجب عليه الوفاء بوعده ولا يحل له إخلاف الوعد من غير عذرٍ قاهر ؛ إذ ليس هذا من أخلاق المؤمنين ، كما أن الإخلاف بهذا الوعد يترتب عليه ضرر على المستأجر ، فصار الوعد مُلزماً للمؤجر ديانة .
ثالثاً:
لا خلاف بين الفقهاء أن يد المستأجر يد أمانة ، وأنه لا يضمن ما أُتلف من العقار المستأجر إلا في حال تعديه أو تفريطه ، والتعدي هنا : أن يخالف المأذون له في العقار – شرعاً أو عادةً أو عرفاً – إلى ما هو أشد ، والتفريط هنا : هو التقصير في الصيانة والحفظ .
وفي ” الموسوعة الفقهية “: ( 13 / 277 ) :
” اتفق الفقهاء على أن العين المؤجرة أمانة في يد المستأجر ، فإن تلفت أو ضاعت بغير تعد منه ولا تفريط : فلا ضمان عليه ، أما إذا تعدى أو فرط في المحافظة عليها : فإنه يكون ضامناً لما يلحق العين من تلف أو نقصان ، وكذلك الحكم إذا تجاوز في الانتفاع بها حقه فيه فتلفت عند ذلك ” انتهى . وينظر : ( 1 / 270 ) .
وأما فواتير الخدمات في المدة التي سكنتها فهي لازمة لك من غير شك ، لأنك المنتفع بها ، ولا يجوز أن يتحملها صاحب المنزل ، وأما إذا كانت قد بقيت في العقد مدة لم تسكنها ، فمن الواضح أيضا أنك لن تدفعها عن شيء لم تنتفع به .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة