إن مما تعلمته من المشايخ الفضلاء والعلماء الأجلاء أن للدعاء صيغاً مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم , ومنها صيغ لا تصح مطلقا عنه صلى الله عليه وسلم , وأن الدعاء يجوز بمخاطبة الله تعالى مباشرة دون إشراكه عز وجل بالطلب !
السؤال عن صيغة الدعاء : ” اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك , ولا تقطعنا بالأغيار عنك ” ويضيف بعضهم فيقول : إذ الفضل منك وإليك “.
وسؤالي هذا هو من ملاحظتي أثناء الصلاة خلف الأئمة الصوفية المبتدعة أنهم يرددونه عند قنوتهم أثناء صلاه الفجر , وأما أئمة أهل السنة والجماعة الذين نحسبهم على خير ولا نزكيهم على الله فلا يقولونه ، ولم أسمعه منهم مطلقا ، خصوصا بعد إقامتي في ألمانيا لمدة تزيد عن عشرة أشهر ؟ وجزاكم الله كل الخير .
سؤال عن دعاء اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا اليك
السؤال: 162461
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الدعاء بقول الداعي : ” اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك ، ولا تقطعنا بالأغيار عنك ، إذ الفضل منك وإليك ” لم يرد في كتب السنة والآثار ، ولم نقف عليه في كتب العلماء ، وإنما اشتهر في الأزمنة المتأخرة .
ومع ذلك نقول : إن الدعاء المطلق – وهو الذي لم يرد فيه توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم – لا يجب فيه التقيد بالثابت في الأحاديث والآثار ، بل يجوز فيه التوسع بسؤال الحاجات وبلوغ المقامات القريبة من الله سبحانه ، بدليل إطلاق الأمر بالدعاء في مثل قوله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر/60.
وقد سبق تقرير هذه المسألة في موقعنا في الجواب رقم : (102600)
وأما الصيغة الواردة في السؤال فلم نجد فيها محذورا شرعيي حتى نقول بمنع الدعاء بها ، بل المعاني التي تشتمل عليها معان حسنة طيبة ، فيها اعتراف بالفقر إلى الله ، والحاجة إلى قربه وصلته وفضله ومعونته كي نتقرب إليه سبحانه ، فعبادتنا وطاعتنا إنما ننشئها برحمة الله ، فيمن عز وجل بسببها علينا بالمنزلة الرفيعة .
فقول الداعي : ( يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك ) نداء لله عز وجل بواحد من صفاته وأفعاله ، فهو سبحانه يصل بفضله وعطائه ، ورحمته التي سبقت غضبه : من انقطع في طريقه إلى ربه بشيء من المعاصي ، أو التقصير والتفريط ، فيجبر كسره ، ويستر عيبه ، ويغفر ذنبه ، وفي هذا إشارة إلى الافتقار إلى رحمة الله ، وأن العبد لا يستحق شيئا على ربه ، لأنه ـ بعمله ـ منقطع ، إلا أن يصله الله .
فيكون معنى ( أوصِلنا إليك ) يعني : قربنا إليك بالإنعام علينا بالعبودية الحقة الخالصة لوجهك الكريم ، وقربنا إليك بنيل رضوانك ومحبتك ومغفرتك .
قال الإمام النووي رحمه الله :
” صلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ، ورحمته إياهم ، وعطفه بإحسانه ونعمه ، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى ، وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته ” انتهى من ” شرح مسلم ” (16/112-113)
وأما قوله : ( ولا تقطعنا بالأغيار عنك ) فالمقصود بـ ” الأغيار ” كل ما سوى الله عز وجل من المخلوقات العاجزة ، وهكذا ينبغي أن يكون هم الساعي إلى مقام الإحسان ، أن ينشغل القلب بالله عن كل ما سواه ، ولا يكون عبدا إلا لمولاه عز وجل ، أما إذا انشغلت القلوب بالدنيا فلن يكتمل فيها حب الله تعالى ، إذ هما ضدان لا يجتمعان : حب الدنيا ، والعبودية الخالصة لله سبحانه .
قال ابن القيم رحمه الله :
” القلوب إذا فسدت فِطَرُها بالأغيار لم تصلح لحظيرة القدس ” انتهى من ” طريق الهجرتين وباب السعادتين ” (ص/144)
فالحاصل أنه لا حرج على من دعا بهذه الكلمات ، لكن لا تتخذ وردا دائما ، ودعاء رابتا في الصلوات وغيرها ، كما هو شأن الثابت من الأدعية والأذكار .
ونشكر لك غيرتك على السنة ، ولكن لا نرى التمييز بين أهل السنة وغيرهم بمثل هذه الأمور الاجتهادية المحتملة ، فقد يكون ذلك سببا للغفلة عن الفوارق الحقيقية الكبيرة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة