انتشر مؤخرا كتابة أمنية ووضعها في بالون ، ثم إطلاق البالون ، ومثلها كتابة الأمنية في زجاجة وإلقاؤها في البحر ؛ فهل هذا العمل يجوز ؟
حكم كتابة الأماني في بالون وإطلاقه
السؤال: 199913
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا تأمل العاقل المنصف في تفسير ظاهرة إطلاق ” البالونات ” أو ” الزجاجات ” أو ” الشموع ” ، طمعا أو تفاؤلا في تحقيق الأمنيات ، آلمه حال الناس ، وكيف يبلغ الأمر بالمسلم الذي يسمع قول الله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/186 وقول الله سبحانه : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60، ولكنه يستبدل الطقوس الجاهلية بتلك الأبواب الإلهية لتحقيق الرغبات ، وسؤال الحاجات !!
ولا نظن أن قارئا يقرأ ما ورد في السؤال ، إلا ويعود إلى نفسه بالحمد والشكر لله عز وجل ، أن هدانا للإسلام وجعلنا مسلمين ، وخلصنا بذلك من أوهام البشر وخرافات النفوس التي يبلغ بها الشطط كل مبلغ ، إلى أن يعتقد في إطلاق ” البالون ” أو ” الزجاجات المضيئة البحرية ” أو إلقاء بضعة دنانير في نافورة ماء – كما في بعض البلاد الأوروبية – تحقيقا لأمنياته ، وتقريبا لرغباته ، رغم أننا نعيش في عصور العلم والحداثة والحضارة ، ولكنها آفة العقل العليل ، الذي لا يمتلئ بالفكر الصحيح ، والمعتقد السليم ، فلا بد أن تملأه حينئذ الجهالة والخرافة .
نحن لا ننكر أن بعض المسلمين يمكن أن يمارس مثل هذه الطقوس مع استحضاره دعاء الله عز وجل ، وسؤاله القبول والإجابة ، أو من غير اعتقاد في شيء أصلا ، إنما هي “موضة” من “الموضات” ، وبدعة من البدع ، وما أكثرها في الناس !!
ولكن أترى أن شريعة الإسلام مفتوحة الحدود ، مهدمة البنيان إلى القدر الذي تتقبل فيه تغيير أركان العبادات ، وتشويه صفات أنواع التقربات لله عز وجل ، وإحداث طرق جديدة للاتصال مع الله سبحانه وتعالى !
ألا ترى أننا بذلك نقترب من عادات الجاهلية الذين كانوا يتطيرون ويستقسمون بالأزلام ، وقد حرم الله عز وجل ذلك في كتابه الكريم ، فقال جل وعلا : ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) المائدة/3.
يقول ابن كثير رحمه الله :
” أي : حرم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام ، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك ، وهي عبارة عن قداح ثلاثة ، على أحدها مكتوب : ” أفعل ” ، وعلى الآخر : ” لا تفعل ” والثالث غفل ليس عليه شيء ، فإذا أجالها فطلع السهم الآمر فعله ، أو الناهي تركه ، وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (3/ 24) .
نعم ، قد لا يكون البالون أو زجاجة البحر سببا في اتخاذ القرار – كما هو الحال في الاستقسام بالأزلام عند أهل الجاهلية -، غير أن فيه شبها من جهة الاعتقاد أن لمثل ذلك تأثيرا في وقوع الأماني التي يتمناها ، وربما لم يقف الأمر عند حد “الاعتقاد” ، أو “الظن” ، حتى تطور الأمر بصاحبه إلى ترجمة عملية لاعتقاده ، فتراه يستعين بهذه البدع والخرافات في طلب الحاجات ، وقسم الأرزاق ، أو معرفة ما يقسم الله عز وجل لعباده !!
قال العلامة السعدي رحمه الله : ” معنى الاستقسام : طلب ما يقسم لكم ويقدر ، بها ” .
انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن ” (219) .
ألا ترى أن قبول مثل تلك الممارسات في بلاد المسلمين يجر إليهم أبوابا من التقليد الأعمى ، والتبعية المطلقة لعابدي الأوثان والنيران والصلبان ؟!
إنها صورة جديدة من صور التبعية التي نعيشها اليوم ، وأقبح ما فيها أنها تتعلق بعبادة من أرقى العبادات وأنقاها وأرقها ، وأحبها إلى قلوب الصالحين الأتقياء ، وهي عبادة ” الدعاء “.
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم (1718).
يقول الإمام النووي رحمه الله : ” قال أهل العربية : الرد هنا بمعنى المردود ، ومعناه : فهو باطل غير معتد به ، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام ، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات ، وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به ” .
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (12/16) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب