0 / 0
11,43103/09/2014

الإسلام يحل مشكلات العصر ولا يصطدم مع حرية الإنسان وتطلعاته ورغباته

السؤال: 211037

الإسلام : هل يحلّ مشكلات الجيل المعاصر، أم يصطدم مع حريته ورغباته وتطلعاته نحو التقدم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
دين الإسلام هو خاتم الأديان ، وهو المُهيمِن على جميع الكتب والشرائع السابقة ، والناسِخ لها، والجامع لأصولها ومحاسنها ؛ فهو الباقي إلى قيام الساعة ؛ كما قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/ 48 ، وقال سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )المائدة/ 3 .
ولذا كان من أهمِّ خصائص هذا الدِّين العظيم : أنَّه دِين شامل ، كامل ، ثابت ، خالد ، يصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، وهو ـ وحده ـ ضمانة سعادة الدُّنيا والآخرة ؛ كما قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام/ 162.

ففي منهج الإسلام ما هو كفيلٌ بحلِّ جميع مشكلات الجيل المعاصِر ، بل الدُّنيا بأسرها ؛ في جميع الجوانب : السياسيَّة ، والاقتصاديَّة ، والاجتماعيَّة ، وغيرها.

ونحن هنا ننقل لك كلمة أحد المفكرين الغربيين ؛ يقول : ” لو كان محمد صلى الله عليه وسلم حيا : لحل مشاكل العالم أجمع وهو يحتسي فنجانا من القهوة ” ، وقيل : الذي قالها هو الكاتب البريطاني جورج برنارد شو المتوفى سنة (1950م) .
وليس ذلك ضربا من المبالغة ، كما قد يبدو في حماسة العبارة ، بل هو بيان لطبيعة دور الرسول في صلاح البشر ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مصلحا يتبنى أفكارا إصلاحية من عند نفسه ، بل كان نبيا رسولا يتبع ما أنزل إليه من ربه ، وبهذا أمره الله تعالى : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام/106 .
والله جل جلاله : هو الخالق الرازق ، خلق الخلق ، وهو أعلم بما يصلحهم ، ويستقيم عليه أمرهم ؛ كما قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14 .

ولينظر اللبيب المنصف ، إلى حال بلاد العرب في الجاهلية ، وكيف كان أهلها فيها ، ثم لينظر إلى حالهم في الإسلام ، وسوف يرى حجم التغيير الذي أحدثه الرسول صلى الله عليه وسلم في هؤلاء ، ولم يكن ذلك عن أمره ، ولا عن عبقرية مصلح بشري ؛ إنما كان اتباعا منه ، ودعوة إلى النور الذي أنزل عليه من ربه .
وإذا كان الله جل جلاله قد قبض نبيه إليه ، وفقدنا شخصه من بين أيدينا ؛ فإن دينه ، وهديه ، وسيرته : ما زال كل ذلك حيا لم يمت ، جديدا في الناس ، لم يَبْلَ ؛ قد تعهد الله تعالى بحفظه ، فقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9.

ولا يُخدع الإنسان بمشاكل العالم الإسلامي اليوم وتخلفه ، فإن ذلك ليس بسبب تمسكهم بالإسلام ، بل بسبب بعدهم عن الإسلام ، فهم بعيدون عن الإسلام بمقدار تخلفهم وانحطاطهم بين الأمم.
ثانيا :
أما اصطدام الإسلام مع حرية الإنسان ورغباته وتطلعاته ، فليس الأمر كذلك ، والإسلام يراعي هذا الجانب من النفس البشرية ، جانب الرغبات ، ويقدره قدره ، وينكر على من يمنع النفس من تلك الرغبات ، ويعاند فطرته ؛ وإن كان يهذبها ، ويشرع لها ما يصونها ، ويحفظ عليها وظيفتها التي خلقها الله لأجلها .

ولذلك لما جاء بعض الصحابة رضي الله عنهم يستأذنون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمتنعوا عن الدنيا تماما وعن لذاتها ويتفرغوا للعبادة ، نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يأذن لهم في هذا ، لأن هذا ينافي الإسلام ، والإسلام لم يطلب هذا من المسلمين ، وفي هذا يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ” رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ” رواه البخاري (5074) ، ومسلم (1402) . “والتَّبَتُّل : هُوَ تَرْك لَذَّات الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا , وَالِانْقِطَاع إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَتِهِ ” .

ولما جاء آخرون وأرادوا أن يمنعوا أنفسهم رغبات النفس في الزواج والطعام والشراب والراحة ، فقال أحدهم : ” أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، [ يعني : ولا ينام] ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، وَقَالَ آخر : أَنَا لَا آكُلُ اللَّحْمَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : ( أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ! أَمَا وَاللَّهِ ، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه البخاري (5036) ، ومسلم (1401) .

والإنسان إذا لم يهذب رغباته ، وأطلق لها العنان : لم تقف عند حد ، بل ستهبط بالإنسان إلى درجة هي أحط من درجة البهائم التي تلبي رغباتها في الطعام والشراب والشهوة بلا ضابط ، ولا قانون مضطرد ، ولا خلق قويم ، ولذلك وصف الله تعالى الكافرين المعرضين عن هديه بأنهم أضل من الأنعام ، فقال سبحانه : (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179، وقال تعالى : ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الفرقان/44، وقال سبحانه : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12.

ولقد رأينا ، ورأى الناس ، كيف بلغ الحال بذلك التسيب ، والسعار الشهواني في الغرب ، ورأينا أن القوم لم يكتفوا بغض النظر عن الفساد الجنسي ، والشذوذ ، ولم يسمحوا به ، فقط ؛ بل صار زواج المثليِّين : مقبولا ، مقننا في بعض هذه الدول ، تعترف به الكنيسة نفسها !!
إن رغبات الإنسان كثيرة : المال ، والجاه ، والشهوة ، والترف ، واللهو ، والتمتع بكل ما حوله ، والتطلع إلى معرفة أسرار الكون والقوى الكامنة فيه ، والتطلع إلى تيسير الحياة بالاختراعات والاكتشافات ، والتطلع إلى تعمير الأرض ، التطلع إلى التغلب على جميع مشكلاته التي يواجهها في حياته … إلخ .
فلماذا تقف النظرة القاصرة عند رغبة واحدة ، هي الرغبة الجنسية ..
ثم تقف عند هدف واحد لهذه النظرة المريضة : أن يطلق لها العنان ، كيفما تشاء ؟!
فمتى كان الإنسان إنسانا ، لأجل ذلك السعار ، والانحطاط ؟!
ولمَ لا ينظر إلى حكم تهذيبها ، وتأديبها ، والمحافظة عليها ، والمحافظة على الناس منها ؟!

إن هدي الإسلام في ذلك ، هو هديه في شأنه كله : وسط ؛ فلا إفراط ، ولا تفريط ؛ لا يصطدم مع هذه الرغبات ، بل يهذبها ، ويسمح لها بالقدر الذي لا يسيء إلى الإنسان الذي كرمه الله ، بل يرقيه في سلم المخلوقات حتى يكون قريبا من الملائكة الذين خلقهم الله بلا رغبات ولا شهوات.

نسأل الله أن يكون فيما كتبناه كفاية ، مع أن الموضوع يحتاج إلى بسط أكثر وأكثر ، غير أن هذا هو الذي يتناسب مع منهج الموقع وطريقته .

ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وأن يقر أعيننا بذلك ، وأن يشفي صدورنا من أعداء هذا الدين .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android