سمعت أنه لا يجوز قراءة كتب اليهود والنصارى لأنها محرفة ، ولأننا لا نستطيع تمييز النصوص المحرفة فيها ، ولكنني قرأت في إحدى الفتاوى بأننا ننكر منها فقط ما يتعارض مع ديننا ، ونقبل منها ما يتوافق مع ديننا ، ونتوقف فيما سوى ذلك ، وأنّه لا ينبغي لأحد القيام بذلك إلا إذا كان من أهل العلم ، ولأغراض الدعوة .
ولكن ماذا عن المسلمين أمثالي ممن يعلمون بعض ما جاء في هذه الكتب ، كونهم نشؤوا كنصارى ، تراودني الكثير من الوساوس حول بعض النصوص في الإنجيل التي تصف الأنبياء ، فأنا أخشى أن أنكر أو أقبل أي شيء من هذه الأوصاف ، فأظن بنبي من الأنبياء ما لا يصح دون علم ، أنا أعلم أنّه يسهل القيام بذلك في بعض الأحيان عندما يذكر القرآن الكريم هذه التفاصيل ، ولكن ماذا عن الأحداث التي لا يوجد لها ذكر في القرآن .
هل يوجد هناك أي مرجع يمكن الاستفادة منه في مثل هذه الحالات ؟
هل تقرأ في كتب اليهود والنصارى ؟
السؤال: 215235
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نصيحتنا لكل مسلم يعرف قيمة وقته وعمره وما أكرمه الله عز وجل به من الهداية لنور الإيمان أن يشكر هذه النعمة ، ويعمرها حق عمارتها ، وذلك بالاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح ، والتركيز على الاستكثار من عمل الخير في هذه الدنيا ، من تعلم ودعوة ومعاملة حسنة للخلق وتربية وتأديب للنفس ، وعبادة لله سبحانه . ولا شك أن العمر كله أقصر عن أن يتسع لجميع ذلك ، فلماذا يصر بعض الناس على ضياع أوقاتهم ، وتشتت أعمالهم وأذهانهم فيما لا طائل وراءه ، كالقراءة في التوراة والإنجيل !!
يقول ابن القيم رحمه الله – فيما ينبغي على العبد تذكره -:
” العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ، ومدة سفره هي عمره الذي كُتب له ، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى ، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره : فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل ، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهى السفر ، فالكيِّس الفَطنِ هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه ، فيهتم بقطعها سالماً غانماً ، فإِذا قطعها جعل الأُخرى نصب عينيه ، ولا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ، ويمتد أمله ، ويحضر بالتسويف والوعد والتأْخير والمطل ، بل يعد عمره تلك المرحلة الواحدة ، فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته ، فإنه إذا تيقن قصرها وسرعة انقضائها : هان عليه العمل ، وطوَّعت له نفسه الانقياد إلى التزود ، فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره : استقبلها كذلك ، فلا يزال هذا دأبه حتى يطوى مراحل عمره كلها ، فيحمد سعيه ويبتهج بما أَعده ليوم فاقته وحاجته ، فإذا طلع صبح الآخرة وانقشع ظلام الدنيا ، فحينئذ يحمد سراه وينجلي عنه كراه ، فما أَحسن ما يستقبل يومه ، وقد لاح صباحه ، واستبان فلاحه ” .
انتهى من ” طريق الهجرتين ” (ص/185) .
أما المختص الذي يسر الله له التعمق في هذا المضمار ، من طلاب الجامعات والدراسات العليا والباحثين في المؤسسات البحثية ، فهؤلاء لا حرج عليهم في القراءة في جميع الكتب التي تدخل في اختصاصهم ، سواء كانت إسلامية أم يهودية أم مسيحية ، وذلك كي يؤدوا فرض الكفاية عن الأمة جميعها في تكوين العارفين بجميع التخصصات الحيوية اليوم ، سواء كانت علمية أم إنسانية.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” الأَوْلى في هذه المسألة التفرقة : بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان ، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك ، بخلاف الراسخ ، فيجوز له ، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف ، ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة ، وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم ، ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه ، لما فعلوه وتواردوا عليه ” انتهى من ” فتح الباري ” (13/ 525) .
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
” الأمور بمقاصدها ، فمن يطالع كتب الملل بقصد الاستعانة على تأييد الحق ورد شبهات المعترضين ونحوه وهو مستعد لذلك ، فهو عابد لله تعالى بهذه المطالعة ، وإذا احتيج إلى ذلك كان فرضا لازما ، وما زال علماء الإسلام في القديم والحديث يطّلعون على كتب الملل ومقالاتهم ، ويردون عليهم بما يستخرجونه منها من الدلائل الإلزامية ، وناهيك بمثل ابن حزم وابن تيمية في الغابرين ، وبرحمة الله الهندي صاحب ” إظهار الحق ” في المتأخرين . أرأيت لو لم يقرأ هذا الرجل كتبا اليهود والنصارى ، هل كان يقدر على ما قدر عليه من إلزامهم وقهرهم في المناظرة ، ومن تأليف كتابه الذي أحبط أعمال دعاتهم في الهند ، بل وغير الهند . أرأيت لو لم يفعل ذلك هو ولا غيره ، أما كان يأثم هو وجميع أهل العلم ، وهم يرون عوام المسلمين تأخذهم الشبهات من كل ناحية ، ولا يدفعونها عنهم .
نعم إنه ينبغي منع التلامذة والعوام من قراءة هذه الكتب لئلا تشوش عليهم عقائدهم ، وأحكام دينهم ، فيكونوا كالغراب الذي حاول أن يتعلم مشية الطاووس ، فنسي مشيته ، ولم يتعلم مشية الحجل ” انتهى من ” فتاوى محمد رشيد رضا ” (1/ 136 – 137) .
والباحث المتخصص يعرض ما يقرؤه في كتب أهل الكتاب على القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما يقرره العلماء في أبواب العقائد والأحكام وأصول الفقه ، فإن وجد ما يوافق الهدى في الوحيين وما تفرع عنهما قبِلَه ولم يرده ، وإن كان معارضا للثابت في الإسلام وأخبار القرآن والسنة رده ولم يتردد في ذلك .
وللتوسع يمكن مراجعة بعض الفتاوى في موقعنا عند الأرقام الآتية : (22029) ، (47516) .
كما يمكن الاستعانة بالكتب الآتية :
1. ” الإسرائيليات في التفسير والحديث ” ، محمد حسين الذهبي .
2. ” الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير” ، رمزي نعناعة .
3. ” قصص التوراة والإنجيل في ضوء القرآن والسنة “، عمر الأشقر .
4. ” المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم ” ، محمد علي البار .
وغيرها كثير .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة