لدي أرض ، وأرغب في قرض عقاري ، ذهبت إلى بنك الرياض وطلبت قرضا عقاريا ، فقال لي : إذا جاءت الموافقة نعطيك قرض على نفس سعر الأرض في السوق الذي هو 500 ألف ، وعند السؤال عن الصيغة الشرعية ، قال : يتصل بك مندوب من شركة متعاملة مع البنك ، ويطلب الحضور إلى المحكمة ، ثم يتم الإفراغ وأستلم المبلغ في المحكمة ، الذي هو قيمه الأرض 500ألف ، وبعدها تأتينا ونبيع الأرض لك ، بيع إيجار مع وعد بالتملك ، حسب نفس سعر الأرض إلي هو 500 ألف مع أضافه الأرباح نسبة 2,5% ، وعلى عشر سنوات مقابل قسط شهري معين .
أرجو الإجابة على هذه الطريقة هل هي شرعية أم لا ؟
تمويل لقرض عقاري بنظام الإجارة مع الوعد بالتملك
السؤال: 216976
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
العقد بالصورة المذكورة من كونك تتفق مع البنك على قرض عقاري ، بأن تبيع أرضك لطرف له علاقة بالبنك ، ثم يبيعها البنك عليك بعد ذلك بعقد إجارة مع وعد بالتمليك ، بزيادة على سعر الأرض بمقدار 2.5% هو عقد محرم لكونه حيلة على الربا ؛ لأن المقصود من هذا البيع هو الحصول على المال عن طريق القرض ، مع سداده بأكثر منه .
فحقيقة المعاملة : أن البنك سيقرضك 500 ألف ريال نقدا ، لتردها عليه بزيادة قدرها 2.5% ، وأما البيع المذكور ، فهو أمر صوري ، يتحيل به البنك على المعاملة الربوية .
وهذه الصورة : وإن كانت عكس مسألة العينة في الصورة ، ولكنها مثلها في التحريم ، لاسيما إذا كانت عن تواطؤ مسبق بينك وبين البنك ؛ لكونها حيلة على الربا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
” لو كانت عكس مسألة العينة من غير تواطؤ: ففيه روايتان عن أحمد ، وهو أن يبيعه حالا ثم يبتاع منه بأكثر مؤجلا ، وأما مع التواطؤ فرِباً محتال عليه ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (29/ 30) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَة بِنَقْدٍ ، ثُمَّ اِشْتَرَاهَا بِأَكْثَر مِنْهُ نَسِيئَة ؟
قُلْنَا : قَدْ نَصَّ أَحْمَد – فِي رِوَايَة حَرْب – عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز ، إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّر السِّلْعَة ؛ لِأَنَّ هَذَا يُتَّخَذ وَسِيلَة إِلَى الرِّبَا ؛ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْعِينَة سَوَاء ، وَهِيَ عَكْسهَا صُورَةً ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَدْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّته دَرَاهِم مُؤَجَّلَة بِأَقَلّ مِنْهَا نَقْدًا .
لَكِنْ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ : الْبَائِع هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته ، وَفِي الصُّورَة الْأُخْرَى : الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته ؛ فَلَا فَرْق بَيْنهمَا ” انتهى من “تهذيب السنن” (9/249) .
وجاء في ” دقائق أولي النهى لشرح المنتهى ” (2/ 26) :
” (وَعَكْسُهَا) : أَيْ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ ، بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِنَقْدٍ حَاضِرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ ، أَوْ وَكِيلِهِ ، بِنَقْدٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ ، مِنْ جِنْسِهِ ، غَيْرِ مَقْبُوضٍ ، إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ بِنَحْوِ سِمَنٍ أَوْ تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ = (مِثْلِهَا) [أي مثل العينة ] فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعِينَةَ فِي اتِّخَاذِهِ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا “.
بل قد يعدها بعض الفقهاء من صور العينة ، قال القاضي عياض:
“العِينة ، بكسر العين ، أصله : أن يشتري الرجل من الرجل سلعة بثمن إلى أجل ، ثم يبيعها به نقدا ، يتذرع بذلك إلى : سلفِ قليل في كثير ، من جنس واحد ، أو يبيعها منه نقدا ، ثم يشتريها منه إلى أجل ، وكذلك إذا كان هذا البيع بين ثلاثة في مجلس “.
انتهى من “مشارق الأنوار” (2/ 107) .
ثانيا :
ما ذكرت من وجود طرف ثالث وسيط – له علاقة بالبنك – تبيع عليه الأرض : لا يزيد الأمر إلا سوءاً ؛ لكونه زيادة في الاحتيال ، ولا يخرج المسألة عن كونها عينة ، كما في كلام القاضي عياض السابق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في سياق الحيل المحرمة على الربا :
” أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدهما عرضا ، ثم يبيعه المبتاع لمعامله المرابي ، ثم يبيعه المرابي لصاحبه ، وهي الحيلة المثلثة. ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (29/ 28) .
ثالثا :
ما ذكرت من أن إعادة الأرض إليك ، سيكون عبر بيعها من البنك عليك بنظام الإجارة مع الوعد بالتمليك : فلا يقتضي الجواز ؛ لأنه إما أن تكون إجارة صورية لا تتوفر فيها شروط الإجارة الشرعية ، وإنما هدفها التغطية على البيع اللاحق لها ، وهذا هو الظاهر من المعاملة ؛ فلا تخرج المسألة عن حيلة الربا .
وإما أن تكون إجارة حقيقة مقتضاها انتفاع البنك بعوض الإجارة ، والذي هو هنا 2.5% ، فهذه الصورة تشبه ما يسميه الفقهاء “بيع الوفاء” أو “بيع الأمانة” ، وهو أن يبيع السلعة بشرط : أن البائع متى رد الثمن ، يرد المشتري إليه المبيع ، بحيث ينتفع المشتري بتلك السلعة ، أو بغلتها ، حتى يرد إليه البائع الثمن .
فتكون حقيقته : أنه قرض ، مقابل المنفعة الحاصلة في فترة بقائها عند المشتري ، وهو بيع محرم لا يصح عند جمهور الفقهاء ، وقد صدر في تحريمه قرار من مجمع الفقه الإسلامي ، وينظر نصه في جواب السؤال رقم : (2147)، ورقم (163762) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
“بَيْعُ الْأَمَانَةِ ، الَّذِي مَضْمُونُهُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا جَاءَهُ بِالثَّمَنِ أَعَادَ عَلَيْهِ مِلْكَهُ ذَلِكَ ، يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ وَالسَّكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : هُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ، إذَا كَانَ الشَّرْطُ مُقْتَرِنًا بِالْعَقْدِ ، وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي الشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْعَقْدِ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَمَقْصُودُهُمَا إنَّمَا هُوَ الرِّبَا بِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ ، وَمَنْفَعَةُ الدَّرَاهِمِ هِيَ الرِّبْحُ ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (30/ 36) .
والحاصل :
أن هذا العقد المذكور لا يحل لك المشاركة فيه ، لأنه حيلة على الربا من الوجوه المذكورة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة