0 / 0

دراسة شرعية في شعر الشاعر الأسطورة التركي يونس أمره

السؤال: 225019

يبالغ الأتراك في احترام شاعر القرون الوسطى التركي يونس أمره ، ويرددون أشعاره ، ويقتبسون منها ، وأظن أنه لا يمكن الوثوق بهذا الشخص أو الاقتباس منه . فهل بالإمكان أن تسوقوا لي الأدلة على حقيقته حتى أعرضها على الأتراك المغالين في حبه . إنه لأمر مهم في محاربة البدع والشرك ؟ .

ملخص الجواب

يونس إمره ، على الرغم من مكانته الشعرية والأدبية العالية ، ومكانته في الوجدان التركي الإسلامي ، والقومي أيضا ؛ إلا أن الدراسة المتأملة لديوانه : تدل على أنه يعتقد المذهب السني العام في أصل أمره ، كما نقلنا بعض الأبيات التي تدل على ذلك . لكن ، على الرغم من ذلك : كان يقول بعقيدة وحدة الوجود الباطلة الضالة ، كما يصرح في ذلك بكل وضوح : أنه لم يزل على عقيدة الحلاج ، وكما تدل على ذلك الأبيات التي نقلناها ، على الرغم من صعوبة ترجمتها البالغة ، وتعقيدها الأسلوبي .  وهذا العرض ، هو بحسب ما ظهر لنا من الأثر الوحيد المترجم له بالعربية ، وإن كنا نرى أن شخصا بهذه المكانة المركزية ، يحتاج دراسة أعمق لآثاره ، وتاريخه ، ومعرفة ما إذا كان مذهبه العام ، وسيرة حياته ، وسائر مصنفاته : تقول إن مثل هذه الأبيات هي أقرب إلى الشطح الذي وقع فيه كثير من مشايخ الطريق ، أو إن هذا هو بالفعل حقيقة مذهبه . 

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ولد يونس أَمْرِه في القرن السابع الهجري سنة (638هـ) بحسب أقرب التقديرات ، وتوفي سنة (720هـ/ 1322م)، وهذا يعني أنه أدرك نهاية الدولة السلجوقية ، وبداية العصر العثماني . ويعد هذا الشاعر " أسطورة " بحق لدى الشعب التركي ، والتراث الأدبي التركي ، اجتمعت قلوبهم على محبته ، وتحويله إلى " الرمز " الذي لا يختلف النقاد في حضوره في الوجدان التركي ، الثقافي والأدبي والشعبي ، وذلك بفضل مجموعة من العوامل المهمة :
أولها :
صلاحه وتدينه ، الأمر الذي يبدو جليا في أشعاره ، ولدى جميع من ترجم له وكتب عنه ، وتصريحه بتولي الخلفاء الراشدين الأربعة ، والقراءة في كتب السنة الأربعة ، الأمر الذي يدل على مذهبه السني العام ، خلافا لمن يتشكك في ذلك ، وينسبه إلى الدرزية أو النصيرية .
في ديوانه الشعري ، (ص25) (غزلية/26) يقول :

إن أصحاب الرسول عاشقون وأبو بكر عظيم العاشقين

وفي (ص34) (غزلية/52) يقول:

ومن الأسفار فاقرأ أربعة بسواها ما لديك منفعة

وفي (ص43) (غزلية/79) يقول :

من يقول إنني لَلْمسلم شرطه تلك الصلاةَ يَلزم
بالصلاة كل شيء يوجد ومن النار النجاة تحمد
وعلى الوسطى نراهم يحرصون إنهم للحق لكن واصلون
وبهذا كل ذنب قد يذوب ولهذا كان للشمع الوجوب
وإذا قيل فلان لم يصل ليس بين المسلمين في محل
النبي في انتظار للوفاء أمة لا بد فيها من صفاء

وفي (ص72) (غزلية/156) يقول :

إنه من قد دعانا للصلاة كل من صلى له طابت حياة
أنت في الفجر فقم كيما تصلي وتأمل أنت للشمس التجلي
الصلاة كل من عنها غفل خسر الربح وخاب في العمل
وله قلب ولكن من حجر ليس بالمسلم عنها من نفر
أنت يا يونس صل في عجل أدها من قبل أن يأتي الأجل

ثانيها :
أنه الشاعر القومي الأول الذي لم يسبقه أحد إلى اعتلاء الأدب التركي ، منذ بداية ظهور الشعر التركي ، كما يقول النقاد .
ثالثها :
سهولة عبارته ، ووضوح كلماته وأساليبه بعيدا عن الشعر المتكلف المصطنع ، فصار شعره محفوظا على كل لسان ، ومفهوما من قبل طبقات الناطقين بالتركية .
رابعها :
قدرته على المزج بين الذوق التركي ، والثقافة الإسلامية الزاهدة ، فأبدع نمطا فريدا من الشعر دخل قلوب الناس وعقولهم .
خامسا :
عنايته برقيق الشعر الذي يتحدث فيه عن حب الخالق جل وعلا ، والتعلق بآلائه ، والتفكر بجلاله وجماله وإنعامه ، فكلماته تفيض بمشاعر النفس الصادقة ، وتعبر عن مكنوناتها التي يحتاج الإنسان إلى التحدث بها دائما ، فيستشعر الارتقاء في مقامات العبودية لله سبحانه ، إذا صاحب ذلك العمل الصالح ، والأخلاق العالية . فكان شعره ذا تأثير روحي عميق على متذوقي اللغة التركية ، وتبوأ مكانة رفيعة في صفحات الأدب التركي .
ولأجل هذه المكانة الرفيعة ، شيدت الحكومة التركية نصبا تذكاريا ليونس أمره في قرية " أسكي شهر " حيث يعتقد أنه مدفون هناك ، وأقامت له المحافل الأدبية العديدة ، وأقرت تدريس أشعاره في المناهج التعليمية ، فضلا عن عناية أتباع الطرق الصوفية بأشعاره في المناسبات الدينية ، حتى غدا شعره محفوظا في القلوب والعقول .
وكما هي الحالة الدينية المعتادة في بلاد الأناضول ، منذ عهود قديمة ، وخاصة في عصر الخلافة العثمانية ، فقد كانت الطرق الصوفية – وما زالت – علامة بارزة لدى السالكين في تلك البلاد ، وعن طريقها انتشر الإسلام بينهم ، وهي طرق عديدة ، تجتمع على غاية السلوك لرب العالمين ، ولكنها تتفاوت بينها في الوقوف عند حدود ما رسمه الفقهاء من اجتهادات شرعية ، بحسب المذهب المنتشر في تلك البلاد . وأيضا تتفاوت في درجة التزامها بأصول الدين المحددة الواضحة ، وتأثير الحالة العرفانية ، أو المذهب الفلسفي المختلط بأصول الطريقة ، في تحييد تلك الأصول أو على الأقل تأويلها. وأخيرا في دركات البدع والخرافات التي يمارسها السالكون في تلك الطرق ، ما بين مقل ومستكثر .
والمقصود هنا أن من المتوقع أن تنسب الترجمات المعاصرة شاعر تركيا الأول يونس أمره إلى بعض هذه الطرق ، وبالأخص الطريقة " البكتاشية " في بداية نشأتها ، وهي طريقة معروفة لدى العلماء ، ذات نفوذ وانتشار كبيرين جدا في التاريخ العثماني ، يمكن الاطلاع على تفاصيل نشأتها وتطورات معتقدها في كتاب أحمد سري بابا، " الرسالة الأحمدية في تاريخ الطريقة العلية البكتاشية بمصر المحروسة ".

كما يمكنك الاستفادة من الروابط الآتية :

http://www.dorar.net/enc/firq/2348

http://bit.ly/3oLX3Tb

http://bit.ly/3rkxZ7l

وبعد الاطلاع على كامل ديوانه الشعري المترجم إلى اللغة العربية ، لا بد لنا من تسجيل النقد الشرعي الأهم ، كي تتضح الصورة الشرعية ، كما يطلب السائل الكريم :
أولا :
يرد في ديوان الشاعر كلمات تشير إلى عقيدة وحدة الوجود في شكلها الأدبي الشعري ، وهي من أخطر الفلسفات العقائدية التي تغلغلت في قطاعات عريضة من أتباع الطرق الصوفية ، تتلخص في اعتقاد الوجود وجودا واحدا ، هو وجود الذات الإلهية ، وأنه ليس ثمة وجودان ، واجب وممكن ، أو قديم وحادث ، أو خالق ومخلوق ، وهذا يعني إنكار حقيقة الخلق ، وليس مجرد غيب عن شهود ما سوى الله تعالى ، بل هي تعود في حقيقتها إلى إنكار الخالق ، الواحد القهار ، العلي فوق خلقه ، الكبير المتعال على كل من سواه ، وما سواه ، الخالق المدبر لكل مخلوق .
وكثيرا ما استشهد الشاعر – في هذا السياق – باسم الحسين بن منصور الحلاج (ت309هـ)، الذي قال فيه الإمام الذهبي رحمه الله : " تدبر – يا عبد الله – نحلة الحلاج الذي هو من رؤوس القرامطة ، ودعاة الزندقة ، وأنصف ، وتورع ، واتق ذلك ، وحاسب نفسك ، فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للإسلام ، محب للرئاسة ، حريص على الظهور بباطل وبحق ، فتبرأ من نحلته .
وإن تبرهن لك – والعياذ بالله – أنه كان – والحالة هذه – محقا هاديا مهديا ، فجدد إسلامك ، واستغث بربك أن يوفقك للحق ، وأن يثبت قلبك على دينه ، فإنما الهدى نور يقذفه الله في قلب عبده المسلم ، ولا قوة إلا بالله . وإن شككت ولم تعرف حقيقته ، وتبرأت مما رمي به ، أرحت نفسك ، ولم يسألك الله عنه أصلا " انتهى من " سير أعلام النبلاء " (14/345) .
ورد في ديوان يونس أمره (ص/25) (غزلية/25) يقول :

إن عيني قل ترى كل المعاني في الزوال ما سراجا يشعلاني
يونس اعلم كل دنياك الإله أي خلد ونعيم قد تراه

وفي (ص28) (غزلية/32) يقول :

قائل هذا صدوق القائلين وسل الحلاج تكرم سائلين

وفي (ص29) (غزلية/37) يقول:

طال منكم إنما هذا السفر فلماذا فيكم المرغوب قر
أي شيء ترغبون في البعيد الحبيب فيكمُ ما إن يحيد
فتعالوا واستقروا ههنا ثم قولوا : الحبيب عندنا
غيبة منه يراها نائمون معكم لكنكم لا تعلمون
أنتم في مسجد أو مكتب ما تبقى عندكم من مطلب
صاحب التوحيد قال يا عدم في الطريق وضعوا تلك القدم

وفي (ص49) (غزلية/95) يقول:

أنا من جئت غريبا للديار إنهم قد أوقعوني في الإسار
فعرفت كل شيء للبشر وأنا المنصور مصلوبا ظهر

وجاء في (ص78) (غزلية/171) قوله :

يا أخي سري أنا سر عجيب إنه فيَّ وعنك لا يغيب
هو في أعماق نفسي حاضر صورتي وهو إليها ناظر
إنما إياه إني لا أجد إنه عندي ولكن كيف ند
لم يقل قلبي بأني من تراب وعن الحضرة ما كان الغياب
وبهذا منكر ما كان قال بلبل لا عشق أنا ما من جدال
أنا والمعشوق نحن شعرتان ولنا دوما حضور في مكان
عن طريقي إنني لست أحيد سفرتي أفضت إلى شيء أريد
كنت " منصورا " قدمت ههنا و " أنا الحق " تدوي عندنا

ومن أصرحه أيضا ما في (ص86) (غزلية/189) حين يقول :

قولة المنصور كانت في الأزل قولة إني عليها لم أزل

ثانيا :
المبالغة في التعبير عن حب الله سبحانه بكلمات العشق البشري ، وعبارات الخمر والكأس والساقي ونحوها مما يكثر في أشعار المتصوفة ، يريدون بها التعبير عن تعلقهم بالله سبحانه كما يتعلق شارب الخمر بكأسه ، وكأن هذا الكأس هو كأس المعرفة الذي ترتوي منه نفس الشارب ، الذي هو العارف بالله ، والمحب له . ولا يخفى ما في مثل هذه الشعرية " الخمرية " من خروج عن مقتضى اللياقة الأدبية مع الله سبحانه ، وتشبيه للعلاقة بين العبد وربه بالعلاقة بين البشر ، بل بالعلاقة المختلطة بالمعصية في صورتها الشهوانية المشتملة على العشق والخمر والسكر والعزف والوصال .
جاء في ديوانه (ص43) (غزلية/78) قوله :

اترك الدنيا إلى العشق ادخلن رتبة فيه عليها عولن
حانة للروح كانت موئلا كن إلى الصدق دوما مائلا
أنت يا يونس من عشق ثملتا إلى الحق ولكن قد وصلتا

وفي (ص54) (غزلية/108) يقول:

قدم الكأس وها إني عزفت ما سواد ما بياض قد عرفت
أثملتني وبعشق طرحتني من سباتي إنها قد أيقظتني

ثالثا :
الشطح الصوفي الذي يفضل الحقيقة على الشريعة ، ويعني بالحقيقة التصوف ، وبالشريعة الفقه والأحكام الشرعية ، وأيضا تقديس الدراويش أو " الواصلين "، ويعني بهم مشايخ الطرق الكبار .
وذلك في كثير من المواضع ، منها في (ص19) يقول :

من سماء إن قرأت ما نزل واصلا أنكرت ، قطعا ما وصل

وهذا يعني أن إنكار الوصول لله ، وهو مصطلح منتشر في شعره يريد به الصوفي البالغ مرحلة شهود الله سبحانه في كل شيء ، من ينكر وجود الواصلين من المتصوفة لم ينفعه شيء ولو قرأ كل القرآن الكريم وحفظه .
وفي (ص/19) (غزلية/8) يقول :

قبل أن تدخل روحي في الجسد كنت من عرشا رآه قد وجد
إن وجه المصطفى صفو الصفاء إنه من علم الناس الوفاء
إن أهل الشرع عن هذا بعيد من سليمان لي القول المفيد

ويعني بأهل الشرع أهل الفقه ، أي العلماء والفقهاء الذين كان المتصوفة معهم في خصومة .
وفي (ص32) (غزلية/47) يقول:

قبل أرض في الوجود أو سماء إن عند الله حصن الأولياء
نظرة الرومي تشفي قلبنا ولهذا القلب مرآة لنا

والحاصل : 

أن يونس إمره ، على الرغم من مكانته الشعرية والأدبية العالية ، ومكانته في الوجدان التركي الإسلامي ، والقومي أيضا ؛ إلا أن الدراسة المتأملة لديوانه : تدل على أنه يعتقد المذهب السني العام في أصل أمره ، كما نقلنا بعض الأبيات التي تدل على ذلك .

لكن ، على الرغم من ذلك : كان يقول بعقيدة وحدة الوجود الباطلة الضالة ، كما يصرح في ذلك بكل وضوح : أنه لم يزل على عقيدة الحلاج ، وكما تدل على ذلك الأبيات التي نقلناها ، على الرغم من صعوبة ترجمتها البالغة ، وتعقيدها الأسلوبي . 

وهذا العرض ، هو بحسب ما ظهر لنا من الأثر الوحيد المترجم له بالعربية ، وإن كنا نرى أن شخصا بهذه المكانة المركزية ، يحتاج دراسة أعمق لآثاره ، وتاريخه ، ومعرفة ما إذا كان مذهبه العام ، وسيرة حياته ، وسائر مصنفاته : تقول إن مثل هذه الأبيات هي أقرب إلى الشطح الذي وقع فيه كثير من مشايخ الطريق ، أو إن هذا هو بالفعل حقيقة مذهبه . 

ونحن لم يتيسر لنا الوقوف على دراسة خاصة باللغة العربية ، تسد هذه الثغرة . 

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android