0 / 0
133,21314/03/2015

هل كفّر شيخ الإسلام ابن تيمية الفخر الرازي ؟

السؤال: 225849

لماذا حكم شيخ الإسلام بن تيمية على الفخر الرازي بالتكفير والردة ؟ ولماذا خصه هو بالذات من بين كل سائر علماء الأشعرية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
الفخر الرازي (توفي سنة 606ه) هو أحد أئمة الأشاعرة الكبار ، وعلى كلامه يعتمد من جاء بعده من الأشاعرة .
وكانت له زلات وسقطات عظيمة ، فقد مزج الفلسفة بعلم الكلام ، وكان كثير الحيرة والاضطراب والتناقض ، حتى وصل الأمر به إلى أن ألف كتاباً في السحر وعبادة النجوم ، سماه : ” السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم ” . وهو الكتاب الذي حكم عليه بعض العلماء بسببه أنه كفر وارتد عن الإسلام .
غير أنه قد تاب ورجع إلى الإسلام ، وندم على ما كان منه من الدخول في علم الكلام والفلسفة ، وأخبر في وصيته أنه يموت على العقيدة التي يقررها القرآن الكريم والسنة النبوية .
قال ابن الصلاح : أخبرني القطب الطّوعاني مرّتين ، أنه سمع فخر الدّين الرّازي يقول : يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام ، وبكى ” انتهى من ” شذرات الذهب ” (7/41) .
وذكر عنه ابن كثير رحمه الله في ” البداية والنهاية ” (17/11-12) رجوعه إلى مذهب السلف فقال : ” وَقَدْ ذَكَرْتُ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَأَنَّهُ رَجَعَ فِيهَا إِلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ ، وَتَسْلِيمِ مَا وَرَدَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى ” انتهى .
وكذلك ذكر ابن القيم رحمه الله في أكثر من موضع من كتبه : أن الرازي ” رجع إلى طريقة الوحي والآثار النبوية ” .
انظر : ” الصواعق المرسلة ” (3/1166) ، ” اجتماع الجيوش الإسلامية ” (ص 194) .
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله عن الفخر الرازي في ترجمته من ” السير ” ( 21/500) :
” العلامة الكبير ذو الفنون فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني الأصولي المفسر ، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين ، كان يتوقد ذكاء ، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم ، وسحر وانحرافات عن السنة ، والله يعفو عنه ، فإنه توفي على طريقة حميدة ، والله يتولى السرائر ” انتهى .
ثانيا :
أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنه ذكر كتاب الرازي في السحر وعبادة النجوم ، وذكر أن هذا كفر وردة عن الإسلام ، ولكنه ذكر في الوقت نفسه أنه قد تاب من ذلك .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” من العجب أن يذكر – يعني الرازي – عن أبي معشر ما يَذُمُّ به عبادة الأوثان ، وهو الذي اتخذ أبا معشر أحد الأئمة الذين اقتدى بهم في الأمر بعبادة الأوثان ، لما ارتد عن دين الإسلام ، وأمر بالإشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان ، في كتابه الذي سماه : ” السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم ” ….
وقد ذكر فيه عن أبي معشر أنه عَبَدَ القمر، وأن في عبادته ومناجاته من الأسرار والفوائد ما ذكر ، فمن تكون هذه حاله في الشرك وعبادة الأوثان كيف يصلح أن يذم أهل التوحيد الذين يعبدون الله تعالى لايشركون به شيئًا، ولم يعبدوا لا شمسًا ولا قمرًا ولا كوكبًا ولا وثنًا ؟ بل يرون الجهاد لهؤلاء المشركين الذين ارتد إليهم أبو معشر والرازي وغيرهما مدة، وإن كانوا رَجَعوا عن هذه الردة إلى الإسلام ، فإن سرائرهم عند الله ، لكن لا نزاع بين المسلمين أن الأمر بالشرك كفر وردة ، إذا كان من مسلم ، وأن مدحه والثناء عليه والترغيب فيه : كفر وردة ، إذا كان من مسلم ” انتهى من ” بيان تلبيس الجهمية ” (3/ 53-54) .
وقال أيضا :
” وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ : أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُصَنِّفُ فِي دِينِ الْمُشْرِكِينَ وَالرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ ، كَمَا صَنَّفَ الرَّازِي كِتَابَهُ فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ ، وَأَقَامَ الْأَدِلَّةَ عَلَى حُسْنِ ذَلِكَ وَمَنْفَعَتِهِ ، وَرَغَّبَ فِيهِ ، وَهَذِهِ رِدَّةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ تَابَ مِنْهُ وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (4/ 55).

ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توبة الرازي ويترحم عليه ويدعو له ، فيقول : ” ما سلكه أهل البدع من أهل الفلسفة والكلام لا يصلون إلى علم ويقين، بل إنما غاية صاحبه الشك والضلال ، وهذا مما اعترفت به حذاقهم، وممن اعترف به أبو عبد الله الرازي رحمه الله في غير موضع من كتبه ، ولفظه في بعضها : ” لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ في الإثبات : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) طه/ 5 و ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر/ 10 . وأقرأ في النفي : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) الشورى/ 11 ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) طه/ 110 . ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ” .
وهذا قاله في آخر عمره في آخر ما صنفه ، وهو كثير التناقض ، يقول القول ثم يرجع عنه ، ويقول في الآخر ما يناقضه ، كما يوجد هذا في عامة كتبه ، تغمده الله برحمته ، وعفا عنه وسائر المؤمنين ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) وتوبته معروفة مشهورة ” .
انتهى من “بيان تلبيس الجهمية” (8/ 529-530) .

وبهذا يتبين أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكفر الرازي تكفيراً مطلقاً ؛ إنما حكم بالكفرة والردة على بعض أحواله ، أو بعض مقالاته ، أو بعض تصانيفه .
والعبرة إنما هي بما يموت عليه الإنسان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) رواه ابن حبان (340) ، وصححه الألباني .
وقد كانت خاتمة الرازي حسنة ، حيث وفقه الله تعالى للتوبة والرجوع إلى مذهب السلف ، ولذلك كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يترحم عليه .
ثم إن يجب التنبه إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا يكفر أحدا من الأشاعرة بسبب كونه أشعريا ، لا الرازي ولا غيره ؛ فإن شيخ الإسلام لا يكفر الأشاعرة ، بل يقول عنهم : إنهم ” ليسوا كفارا باتفاق المسلمين ” انتهى من ” مجموع الفتاوى “(35/101) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android