تاجر فقد تجارته وماله نتيجة أحداث سوريا ، وضمن اﻷموال ديون ، وأموال شراكة مضاربة، وأصحاب الديون ، والشركاء المضاربون يريدون أموالهم ، وهو لا يملك إعادتها نهائيا ، ويسأل : ماذا يفعل لتبرأ ذمته ، وهم لا يقبلون مجرد الحديث معه ، حتى لا يقبلوا عذرا أو استسماحا ؟
وأشهد له بالصلاح ، وأنه كان من أهل الخير وقد ساعد أناسا كثر ، وهو أصبح لاجئا خارج سوريا ، خوفا من بطش النظام ، يعتمد على المعونات ، هل تقبل صلاته وعمله ؟ وهل هو ممن لا توبة له ؟
يعجز عن رد ديون وأموال شراكة ، فكيف تبرأ ذمته ؟
السؤال: 226232
ملخص الجواب
وخلاصة الجواب : إذا كان هذا الرجل حين أخذ أموال الناس عازما على أدائها : فلا إثم عليه ، والله تعالى سيؤدي عنه هذه الأموال ، إما في الدنيا وإما في الآخرة ، ولا يؤثر ذلك على صلاته وعمله . وإن كان حين أخذها عازما على عدم ردها ، فقد أثم بذلك وفعل محرما ، وباب التوبة من كل ذنب مفتوح ، فعليه أن يندم على ما فعل ، ويعزم على رد تلك الأموال لأصحابها متى تمكن من ذلك ؛ ومن تاب : تاب الله عليه . والله أعلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نسأل الله تعالى أن يفرح عن إخواننا في سوريا وغيرهم من المستضعفين المؤمنين ما هم فيه من الكرب ، وأن يجعل لهم من كل ضيق مخرجا .
أولا :
أما الديون التي على هذا التاجر : فالواجب على الدائنين إمهاله حتى يوسر ، ويصبح قادرا على قضاء الدين ، ولا يجوز المطالبة بالدين وهو معسر لا مال معه ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 280 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : ” أي : وإن كان الذي عليه الدين معسراً ، لا يقدر على الوفاء : وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة ، وهو يجب عليه [ إي : على الدائن] إذا حصل له وفاء بأي طريق مباح : أن يوفي ما عليه ، وإن تصدق عليه غريمه بإسقاط الدين كله ، أو بعضه فهو خير له ” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 959) .
ثانيا :
أما أموال المشاركات التي كان مضارِبا بها ، فلابد من النظر : كيف فقدها ؟
فإن كان فقدها بدون تقصير منه ، كما لو خسرت التجارة ، أو انهدم المحل ، أو سرق ونهب ، بدون تقصير منه في حفظه : فلا ضمان عليه لهذه الأموال ، ولا يلزمه إرجاعها إلى شركائه .
وأما إن كان فقدها بتقصير منه : فالواجب عليه أن يضمنها لأصحابها ، وتكون دينا عليه يجب عليه أن يقضيه متى تمكن من ذلك .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (184476) .
وفي هذه الحالة : لا يجوز مطالبته بالمال ما دام معسرا .
وينبغي عليه أن يكتب تلك الديون ، التي هي ثابتة في ذمته ، في ورقة ويحتفظ بها، خشية أن يفاجئه الموت قبل سدادها .
فقد روى البخاري (2738)، ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ”) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي ” .
ثالثا :
إذا كان هذا الرجل حين أخذ أموال الناس (الديون) عازما على أدائها ، فإن الله تعالى يؤدي عنه هذه الديون ، إما في الدنيا بأن يغنيه الله ويرزقه مالا يسدد به الديون ، وإما في الآخرة ، بأن يرضي الله تعالى أصحاب الديون من فضله ولا يأخذ من حسنات هذا المدين لهم .
روى البخاري (2387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا : أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا : أَتْلَفَهُ اللّه).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
” بشرى للإنسان : أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها : أدى الله عنه ، وإذا أخذها يريد إتلافها : أتلفه الله ، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ ، أو ثمن مبيع ، أو أجرة بيت ، أو غير ذلك ، وأنت تريد الأداء : أدَّى الله عنك ، إما في الدنيا ؛ يعينك حتى تسدد ، وإما في الآخرة . صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما المتلاعب بأموال الناس ، والذي يأخذها ، ولا يريد أداءها ، ولكن يريد إتلافها : فإن الله يتلفه ، والعياذ بالله ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (6 / 32) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره ، هل تبقى روحه مرهونة معلقة ؟
فأجابوا : ” أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )
وهذا محمول على من ترك مالاً يُقضى منه دينه ، أما من لا مال له يقضى منه : فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث ؛ لقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله سبحانه: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .
كما لا يتناول من بيّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ، ومات ولم يتمكن من الأداء ؛ لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (8/344) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“ومن مات مُعْدِما [لا مال له] : يُرْجَى أن الله يقضي عنه ما عليه ” .
انتهى من “الاختيارات” (166).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِير مِنْهُ ، كَأَنْ يُعْسِرَ مَثَلًا ، أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْت ، وَلَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ ، وَكَانَتْ نِيَّته وَفَاء دَيْنه ، وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا ….. الظَّاهِر أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَة هَذِهِ فِي الْآخِرَةِ ، بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ بَلْ يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أبي هريرة” انتهى من ” فتح الباري” (5/54) .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة