0 / 0
18,62015/04/2015

يعجز عن رد ديون وأموال شراكة ، فكيف تبرأ ذمته ؟

السؤال: 226232

تاجر فقد تجارته وماله نتيجة أحداث سوريا ، وضمن اﻷموال ديون ، وأموال شراكة مضاربة، وأصحاب الديون ، والشركاء المضاربون يريدون أموالهم ، وهو لا يملك إعادتها نهائيا ، ويسأل : ماذا يفعل لتبرأ ذمته ، وهم لا يقبلون مجرد الحديث معه ، حتى لا يقبلوا عذرا أو استسماحا ؟
وأشهد له بالصلاح ، وأنه كان من أهل الخير وقد ساعد أناسا كثر ، وهو أصبح لاجئا خارج سوريا ، خوفا من بطش النظام ، يعتمد على المعونات ، هل تقبل صلاته وعمله ؟ وهل هو ممن لا توبة له ؟

ملخص الجواب

وخلاصة الجواب : إذا كان هذا الرجل حين أخذ أموال الناس عازما على أدائها : فلا إثم عليه ، والله تعالى سيؤدي عنه هذه الأموال ، إما في الدنيا وإما في الآخرة ، ولا يؤثر ذلك على صلاته وعمله . وإن كان حين أخذها عازما على عدم ردها ، فقد أثم بذلك وفعل محرما ، وباب التوبة من كل ذنب مفتوح ، فعليه أن يندم على ما فعل ، ويعزم على رد تلك الأموال لأصحابها متى تمكن من ذلك ؛ ومن تاب : تاب الله عليه . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نسأل الله تعالى أن يفرح عن إخواننا في سوريا وغيرهم من المستضعفين المؤمنين ما هم فيه من الكرب ، وأن يجعل لهم من كل ضيق مخرجا .
أولا :
أما الديون التي على هذا التاجر : فالواجب على الدائنين إمهاله حتى يوسر ، ويصبح قادرا على قضاء الدين ، ولا يجوز المطالبة بالدين وهو معسر لا مال معه ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 280 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : ” أي : وإن كان الذي عليه الدين معسراً ، لا يقدر على الوفاء : وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة ، وهو يجب عليه [ إي : على الدائن] إذا حصل له وفاء بأي طريق مباح : أن يوفي ما عليه ، وإن تصدق عليه غريمه بإسقاط الدين كله ، أو بعضه فهو خير له ” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 959) .

ثانيا :
أما أموال المشاركات التي كان مضارِبا بها ، فلابد من النظر : كيف فقدها ؟
فإن كان فقدها بدون تقصير منه ، كما لو خسرت التجارة ، أو انهدم المحل ، أو سرق ونهب ، بدون تقصير منه في حفظه : فلا ضمان عليه لهذه الأموال ، ولا يلزمه إرجاعها إلى شركائه .
وأما إن كان فقدها بتقصير منه : فالواجب عليه أن يضمنها لأصحابها ، وتكون دينا عليه يجب عليه أن يقضيه متى تمكن من ذلك .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (184476) .
وفي هذه الحالة : لا يجوز مطالبته بالمال ما دام معسرا .

وينبغي عليه أن يكتب تلك الديون ، التي هي ثابتة في ذمته ، في ورقة ويحتفظ بها، خشية أن يفاجئه الموت قبل سدادها .
فقد روى البخاري (2738)، ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ”) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي ” .

ثالثا :
إذا كان هذا الرجل حين أخذ أموال الناس (الديون) عازما على أدائها ، فإن الله تعالى يؤدي عنه هذه الديون ، إما في الدنيا بأن يغنيه الله ويرزقه مالا يسدد به الديون ، وإما في الآخرة ، بأن يرضي الله تعالى أصحاب الديون من فضله ولا يأخذ من حسنات هذا المدين لهم .
روى البخاري (2387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا : أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا : أَتْلَفَهُ اللّه).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
” بشرى للإنسان : أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها : أدى الله عنه ، وإذا أخذها يريد إتلافها : أتلفه الله ، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ ، أو ثمن مبيع ، أو أجرة بيت ، أو غير ذلك ، وأنت تريد الأداء : أدَّى الله عنك ، إما في الدنيا ؛ يعينك حتى تسدد ، وإما في الآخرة . صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما المتلاعب بأموال الناس ، والذي يأخذها ، ولا يريد أداءها ، ولكن يريد إتلافها : فإن الله يتلفه ، والعياذ بالله ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (6 / 32) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره ، هل تبقى روحه مرهونة معلقة ؟
فأجابوا : ” أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )
وهذا محمول على من ترك مالاً يُقضى منه دينه ، أما من لا مال له يقضى منه : فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث ؛ لقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله سبحانه: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .
كما لا يتناول من بيّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ، ومات ولم يتمكن من الأداء ؛ لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (8/344) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“ومن مات مُعْدِما [لا مال له] : يُرْجَى أن الله يقضي عنه ما عليه ” .
انتهى من “الاختيارات” (166).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِير مِنْهُ ، كَأَنْ يُعْسِرَ مَثَلًا ، أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْت ، وَلَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ ، وَكَانَتْ نِيَّته وَفَاء دَيْنه ، وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا ….. الظَّاهِر أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَة هَذِهِ فِي الْآخِرَةِ ، بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ بَلْ يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أبي هريرة” انتهى من ” فتح الباري” (5/54) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android