لا يستجيب الله تعالى لمن يدعوه وهو غائب الذهن ، فهل يجب على من دعا الله وهو غير مستحضر لما دعاه أن يعيد الدعاء مستحضراً في قلبه ما يريد أن يدعو الله به ؟
هل يعيد الدعاء إذا انشغل ذهنه ولم يستحضر ما قاله وقت الدعاء؟
السؤال: 227324
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من آداب الدعاء ، وأسباب الإجابة : أن يقبل العبد على ربه في دعائه ، ويخلص له النية ، ويصدق في طلبه من الله ، وأقل ما يكون من صدق ذلك الطلب : أن يكون واعيا لدعائه ، عالما بمعناه ، قاصدا لطلبه من رب العالمين .
قال ابن رجب رحمه الله : ” وَمِنْ أَعْظَمِ شَرَائِطِهِ: حُضُورُ الْقَلْبِ، وَرَجَاءُ الْإِجَابَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (2/403) .
وورد الوعيد فيمن يدعو ، وقلبه غافل ، معرض عن ربه ، لاه عن الطلب منه : أنه قمن ألا يستجاب له :
فروى الترمذي (3479) ، والحاكم (1817) وغيرهما ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) .
وهذا الحديث مداره على صالح المُرِّي ، أحد الزهاد ، إلا أنه ضعيف في الحديث .
قال البزار في مسنده (17/307) : ” وَهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَبُو هُرَيْرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بهذا الإِسْنَاد , ولاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عن هشام إلا صالح المري وكان أحد العباد , فكانت تشغله عبادته عندنا عن حفظ الحديث ” انتهى .
ولهذا : ضعفه الترمذي عقب روايته له ، فقال : “ح ديث غريب ” .
وقال الذهبي : ” فيه صالح المري ، وهو متروك ” انتهى .
وحسنه بعض أهل العلم لشواهده . ينظر: “السلسلة الصحيحة” (594) ، “مختصر تلخيص الذهبي” لابن الملقن ، حاشية المحققين (1/371) .
وأما أن العبد مطالب بإجابة الدعاء ، إذا دعاه وهو غافل : فنعم ؛ بل هذا من آداب الدعاء مطلقا : أن يلح العبد على ربه في دعائه ، ويكرره إليه ، ويتضرع بين يديه ، ويديم المسألة ، لا ينقطع عنها ، حتى يرى من ربه القبول .
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : ” يُقَالُ : أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ ، وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ” .
نقله ابن عبد البر في “التمهيد” (5/343) .
ولأجل طلب حضور القلب في الدعاء ، وكون ذلك من شرائطه ، كان أرجى أوقات الدعاء وأفضلها ، أعظمها سكونا ، وجمعا لقلب العبد على ربه :
روى الترمذي (3499) وحسنه ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : ” قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : ( جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ) ، وحسنه الألباني في ” مشكاة المصابيح ” (1231) .
وفي صحيح البخاري (5962) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) .
قال ابن بطال رحمه الله في شرحه (10/89-90) : ” هذا وقت شريف مرغب فيه ، خصّه الله تعالى بالتنزل فيه ، وتفضّل على عباده بإجابة من دعا فيه ، وإعطاء من سأله ، إذ هو وقت خلوة ، وغفلة واستغراق فى النوم ، واستلذاذ به ، ومفارقة الدعة واللذة صعب على العباد ، لا سيما لأهل الرفاهية في زمن البرد ، ولأهل التعب والنصب في زمن قصر الليل .
فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه في غفران ذنوبه ، وفكاك رقبته من النار ، وسأله التوبة في هذا الوقت الشاق ، على خلوة نفسه بلذتها ، ومفارقة دعتها وسكنها فذلك دليل على خلوص نيته ، وصحة رغبته فيما عند ربه ، فضمنت له الإجابة ، التي هي مقرونة بالإخلاص ، وصدق النية في الدعاء، إذ لا يقبل الله دعاءً من قلب غافل لاهٍ. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى هذا المعنى بقوله: (والصلاة بالليل والناس نيام) .
فلذلك نبّه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذى تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعُلقها ، ليستشعر العبد الجدّ والإخلاص لربه ، فتقع الإجابة منه تعالى ، رفقًا من الله بخلقه ، ورحمةً لهم ؛ فله الحمد دائمًا ، والشكر كثيرًا ، على ما ألهم إليه عباده من مصالحهم ، ودعاهم إليه من منافعهم لا إله إلا هو الكريم الوهاب ” انتهى.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب