هل يُعتبر الطفل غير الشرعي هبة من الله ؟
ولد الزنا : قد يكون ابتلاء من الله تعالى لهذه المرأة ؛ لأنها ستتحمل همه وفضيحته ، ولأن الولد من الزنا قد يكون مظنة الفساد .
فجانب البلاء والمحنة بولد الزنا ، أظهر من جانب النعمة والهبة فيه ، كما هو معلوم ، ومشاهد من أحوال الناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وإنما يذم ولد الزنا لأنه مظنة أن يعمل عملا خبيثا ، كما يقع كثيرا ، كما تحمد الأنساب الفاضلة لأنها مظنة عمل الخير ؛ فأما إذا ظهر العمل فالجزاء عليه ، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 4 / 312 ) .
ومن رحمة الله تعالى ولطفه بعباده أنه جعل باب التوبة مفتوحا لكل صاحب جريمة مهما عظمت جريمته .
فالابتلاء الحاصل للمرأة الزانية بحملها من الزنا ، بإمكانها بإذن الله تعالى وتوفيقه ، إذا تابت واجتهدت في الطاعات وتربية هذا الولد على الفضائل : أن ينقلب ذلك إلى نعم لها في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) الفرقان / 68 – 70.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" في معنى قوله : ( يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) قولان :
أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) قال : هم المؤمنون ، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحولهم إلى الحسنات ، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات...
وقال عطاء بن أبي رباح : هذا في الدنيا ، يكون الرجل على هيئة قبيحة ، ثم يبدله الله بها خيرا...
وقال الحسن البصري: أبدلهم الله بالعمل السيئ ، العمل الصالح ، وأبدلهم بالشرك إخلاصا ، وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما...
والقول الثاني: أن تلك السيئات الماضية : تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات ، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى : ندم واسترجع واستغفر ، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار .
فيوم القيامة ، وإن وجده مكتوبا عليه ؛ لكنه لا يضره ، وينقلب حسنة في صحيفته ، كما ثبتت السنة بذلك ، وصحت به الآثار المروية عن السلف رحمهم الله تعالى ...
عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار، وآخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة : يؤتى برجل فيقول : نَحّوا كبار ذنوبه ، وسلوه عن صغارها ، قال : فيقال له : عملت يوم كذا وكذا كذا ، وعملت يوم كذا وكذا كذا ؟ فيقول : نعم - لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا –
فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة . فيقول : يا رب ، عملت أشياء لا أراها هاهنا " . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ) " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 6 / 127 – 128 ) .