ما حكم مشاهدة الأفلام الوثائقية فى أوقات الفراغ التى لا تحتوى على محاذير شرعية ، ولكن المتحدث فيها أحيانا يقول : (غضب الطبيعة) ، أو ( أن الطبيعة قالت عكس ذلك) ، وبالتأكيد هو لم يقصد المعنى الكفري ، ولكن يقولها على سبيل المجاز ، فما حكم مشاهدتها ؟ مع بيان حرمة هذه العبارات .
حكم مقولة غضب الطبيعة التي تذكر في بعض الأفلام الوثائقية
السؤال: 244571
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا حرج في مشاهدة الأفلام الوثائقية الخالية من المحاذير الشرعية، إذا لم تشغل عن واجب.
ولا يجوز نسبة شيء للطبيعة كالغضب والقول والهبة ، ولو على سبيل المجاز؛ لما في ذلك من مشابهة الملاحدة والإيهام بصحة قولهم ، فإن الملاحدة ينسبون الأفعال للطبيعة على أنها الخالقة والموجدة ، وذلك كفر لا شك فيه، فوجب الحذر من قولهم ، والبعد عن مشابهتهم .
ومعلوم أن الطبيعة خلق من خلق الله تعالى لا تصرّف لها من ذاتها ، إلا بما أمرها الله به من إغراق أو هدم أو غيره ، كما قال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) الزخرف/55، وآسفونا: أغضبونا.
وقال سبحانه: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت/39، 40 .
وقد أدب الله عباده المؤمنين بترك موافقة أهل الباطل في كلماتهم، فقال: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة/104 .
قال ابن كثير رحمه الله: “نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص -عليهم لعائن الله-فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولون: راعنا. يورّون بالرعونة، كما قال تعالى: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) [النساء: 46] وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم، بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: السام عليكم. والسام هو: الموت. ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ “وعليكم”. وإنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم فينا.
والغرض: أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا. فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) .
وروى الإمام أحمد: … عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “… من تشبه بقوم فهو منهم”.
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد ، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ، ولباسهم وأعيادهم ، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقرّ عليها” .
انتهى ، مختصرا ، من “تفسير ابن كثير” (1/373).
وفي “فتاوى اللجنة الدائمة ” : ” لا يجوز أن يقال ولا أن يكتب : ” لا زال في عالمنا بعض هبات الطبيعة ” ولو ادعَى في ذلك أنه مجاز ؛ لأن فيه تلبيسا على الناس ، وإيناسا للقلوب بما عليه أهل الإلحاد ، إذ لا يزال كثير من الكفرة ينكر الرب ، ويسند إحداث الخير والشر إلى غير الله حقيقة ، فينبغي للمسلم أن يصون لسانه وقلمه عن مثل هذه العبارات ؛ صيانة لنفسه عن مشاركة أهل الإلحاد في شعارهم ومظاهرهم ، وبعدا عما يلهجون به في حديثهم ، حتى يكون طاهرا من شوائب الشرك في سيرته الظاهرة ، وعقيدته الباطنة ، ويجب عليه قبول النصيحة ، وألا يتمحل لتصحيح خطئه ، وينتحل الأعذار لتبرير موقفه ، فالحق أحق أن يتبع ، وقد قال الأول : إياك وما يعتذر منه ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (2/ 162).
والمشاهد لهذه الأفلام إذا أنكر هذه العبارات ولم يرضها، فلا شيء عليه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب