صديقة لي أخبرتني بأن هناك حديث ينهى الشخص في الحياة الدنيا عن الدعاء بتعجيل مجيء يوم القيامة، فقط يُسمح للناس الذين هم في الفردوس بالدعاء بذلك. ذكرت أيضاً بأن هناك شخص دعا بتعجيل مجيء يوم القيامة في هذه الدنيا فمات.
هل يمكنكم المساعدة في إيجاد هذا الحديث لو سمحتم؟ أظن أنها قالت بأن الحديث رواه البخاري ومسلم إذا أسعفتني ذاكرتي بشكل سليم.
الدعاء بتعجيل قيام الساعة
السؤال: 257804
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إن يوم القيامة له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر ، لا يعلمه إلا الله تبارك تعالى ، حيث قال ربنا تبارك وتعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الأعراف/187 ، وقال سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) لقمان/34 ، ولما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . رواه البخاري (50) ، ومسلم (9) .
ومن آداب الدعاء الواجبة ألا يدعو المسلم بالمستحيلات أو بأمر قد فرغ منه ، وهذا يدخل فيه قيام الساعة بلا شك .
قال الشوكاني رحمه الله في “تحفة الذاكرين” (ص52) :” ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم ، ولا بأمر قد فرغ منه ، ولا بمستحيل”. انتهى
وأما بخصوص سؤال الأخت الكريمة فغالب الظن أنه ربما اختلط الأمر عليها بين الدعاء بتعجيل قيام الساعة ، وبين الدعاء بمجيء الأجل ، أو تمني الموت .
أما الأول ، موضع السؤال : فلم نقف فيما بين أيدينا – بحسب ما بحثنا – على ما ذكرته السائلة أن أحدا دعا بتعجيل قيام الساعة فمات .
وأما تمني قيام الساعة فقد ورد في السنة أن هذا يتمناه كل مؤمن ، إذا مات ، وأُدخل القبر ، ورأى البشرى بأنه من أهل الجنة .
كما جاء في “مسند الإمام أحمد” (18534) بإسناد صحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة خروج الروح وما يحدث في القبر للمؤمن والكافر وفيه قال صلى الله عليه وسلم عن العبد المؤمن : ( فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ ، فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ “. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا ، وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ . قَالَ: ” وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي ) .
فالشاهد في الحديث هو قوله :” رب أقم الساعة “. فهذا غاية ما وقفنا عليه ، في تمني قيام الساعة ، وذلك إنما يكون للعبد المؤمن في حياة البرزخ ، بعدما يرى من النعيم ، فيتمنى حينئذ قيام الساعة .
وأما الدعاء بالموت ، أو تمني الموت ، فهو منهي عنه ؛ كما ثبت من حديث أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي “. رواه البخاري (5671) ، ومسلم (2680) .
إلا أن هذا النهي ليس عاما ، بل هو جائز لمن خشي على نفسه الفتنة في دينه ، قال ابن حجر في “الفتح” (10/128) :” قَوْلُهُ ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ ) الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ ، وَالْمُرَادُ : هُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا .
وَقَوْلُهُ ” مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ” حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى الضُّرِّ الدُّنْيَوِيِّ ، فَإِن وجد الضّر الْأُخْرَوِيَّ بِأَنْ خَشِيَ فِتْنَةً فِي دِينِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ من رِوَايَة بن حِبَّانَ : ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا ) . عَلَى أَنَّ “فِي” فِي هَذَا الْحَدِيثِ : سَبَبِيَّةٌ ؛ أَيْ بِسَبَبِ أَمْرٍ مِنَ الدُّنْيَا .
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ “. انتهى .
وقال ابن رجب في رسالته “شرح حديث لبيك” (ص53) :” وأما من تمنى الموت خوف فتنته في الدين فإنه يجوز بغير خلاف “. انتهى .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (46592) ورقم (136164)
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة