يقول بعض أهل العلم في كتبهم ، وقد قرأته في كتاب “تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد” ، عبارة لم أفهمها وهي : ” إن قوة الطبيعة تدفع العلة وتبطلها ” ، فما معنى هذه العبارة ، وماهي الطبيعة ؟
المراد بالطبيعة في قولهم: إن قوة الطبيعة تدفع العلة وتبطلها .
السؤال: 272224
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
المقصود بالطبيعة في مثل هذا السياق: المزاج العام للشخص ، وما أودعه الله فيه من الصحة والعافية ، والقوى الجمسانية ؛ فإن المزاج القوي يقاوم العلة المرضية ويدفعها.
ومن ذلك قول ابن القيم رحمه الله: ” فعلم القلب ومعرفته بذلك : توجب محبته، وإجلاله، وتوحيده فيحصل له من الابتهاج واللذة والسرور، ما يدفع عنه ألم الكرب والهم، والغم .
وأنت تجد المريض إذا ورد عليه ما يسره ويفرحه ، ويقوي نفسه ؛ كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسي، فحصول هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى” انتهى من زاد المعاد (4/ 187).
ومنه قول ابن مفلح رحمه الله : ” اُشْتُهِرَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَصَحَّ عَنْهُ : أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ، وَيَقُومُ أَوَّلَ النِّصْفِ الثَّانِي ، يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي وَيَدْعُو .
فَيَسْتَرِيحُ الْبَدَنُ بِذَلِكَ النَّوْمِ وَالرِّيَاضَةِ وَالصَّلَاةِ ، مَعَ حُصُولِ الْأَجْرِ الْوَافِرِ .
فَالنَّوْمُ الْمُعْتَدِلُ مُمْكِنٌ لِتَقْوَى الطَّبِيعَةُ مِنْ أَفْعَالِهَا، مُرِيحٌ لِلْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ مُكْثِرٌ مِنْ جَوْهَرِ حَامِلِهَا”. انتهى، من “الآداب الشرعية” (3/244) .
وفي المصباح المنير (2/ 368): ” وَالطَّبِيعَةُ : مِزَاجُ الْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَخْلَاطِ” انتهى.
قال الجرجاني في التعريفات ص140: ” الطبيعة: عبارة عن القوة السارية في الأجسام ، بها يصل الجسم إلى كماله الطبيعي” انتهى.
ويسمى ذلك “الطبيعة” باعتبار أن الله تعالى : ” طبعه عليه” ؛ يعني : أن الله تعالى جعلها فيه بأصل الخلقة ، دون أشياء خارجية حصلت له .
قال في المصباح المنير (1/ 90): ” وَالْجِبِلَّةُ – بِكَسْرَتَيْنِ وَتَثْقِيلِ اللَّامِ – ، وَالطَّبِيعَةُ ، وَالْخَلِيقَةُ ، وَالْغَرِيزَةُ : بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَجَبَلَهُ اللَّهُ عَلَى كَذَا – مِنْ بَابِ قَتَلَ – : فَطَرَهُ عَلَيْهِ.
وَشَيْءٌ جِبِلِّيٌّ : مَنْسُوبٌ إلَى الْجِبِلَّةِ ، كَمَا يُقَالُ طَبِيعِيٌّ ، أَيْ ذَاتِيٌّ ، مُنْفَعِلٌ عَنْ تَدْبِيرِ الْجِبِلَّةِ فِي الْبَدَنِ ، بِصُنْعِ بَارِئِهَا ؛ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” انتهى.
واستعمال الطبيعة في هذه المعاني متقارب ؛ وهو واضح لا إشكال فيه ، ولا حرج .
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله ، في بيان مسالك الجمع بين ما جاء في إثبات العدوى ، وما جاء في نفيها:
” ثانيها : حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين ؛ فحيث جاء ( لا عدوى ) : كان المخاطب بذلك من قوي يقينه ، وصح توكله ، بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى ، كما يستطيع أن يدفع التطير الذي يقع في نفس كل أحد ، لكن القوي اليقين : لا يتأثر به .
وهذا مثل ما تدفع قوة الطبيعة العلة ، فتبطلها .
وعلى هذا يحمل حديث جابر في أكل المجذوم من القصعة ، وسائر ما ورد من جنسه .
وحيث جاء : ( فر من المجذوم ) : كان المخاطَب بذلك من ضعف يقينه ، ولم يتمكن من تمام التوكل ، فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى .
فأريد بذلك : سد باب اعتقاد العدوى عنه ، بأن لا يباشر ما يكون سببا لإثباتها .. ” انتهى . من “فتح الباري” (10/160) . وهو أصل النص المنقول في “تيسير العزيز الحميد” (364) .
فالطبيعة هي : المزاج، والقوة التي جعلها الله في البدن، فإذا قوي ذلك دفع المرض وأبطله.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب