زوجي وأنا متزوجين حديثاً من ثلاثة أسابيع ، ونحن سعداء جدّاً ، دون أيّ شكاوى على الإطلاق ، خرجت أنا وهو في الأسبوع الماضي لتناول العشاء ، وخلال ذلك الوقت، كنّا نتحدّث عن كم نحبّ بعضنا البعض ، وأنّنا لا نريد أن نترك بعضنا البعض أبدا ، قال: " أرجوك لا تتركيني ، قلت، لا أتمكّن أبداً من تخيّل تركك ، إنّه صعبٌ عليّ جدّا ، ولكن من السهل جدا أن تترَكني من خلال مجرد قول ثلاث كلمات " ، أخذ يسأل إذا كان يعرف الكلمات التي كنت أتحدث عنها. ومن ثمّ قال: ( آه أنت طالق طالق طالق) كردٍّ عرضيّ ، استمرينا في المحادثة ، والعشاء كالمعتاد. في وقتٍ لاحقٍ في تلك الليلة قلت له أنا أتساءل إذا كان بعض النّاس يعتقدون أنّ زواجنا قد تحطّم ، لذلك قمت ببعض الأبحاث ، نحن كلانا كنّا جاهلين تماماً بحكم قول تلك الكلمات ، وبأنّها تُحسب حتى في المزاح ، أيضاً كنّا جاهلين تماماً بالطلاق الصحيح في الإسلام ، نشأنا ونحن نرى الممثلين على التلفاز فقط يصرخون طالق ثلاث مرّاتٍ ، ونحن اعتقدنا بأنّه يتمّ كذلك ، لم نكن نعلم بالطريقة الصحيحة من فترات الانتظار ، ولكنّا نعلم أنّه ليس عليك قول تلك الكلمات ، أيضاً أثناء البحث قرأت أنّ كثيراً من العلماء يعتقدون أنّ قول الطلاق ثلاثاً، أربعا ، أو مائة مرة يُحسب واحدةً في الجلسة الواحدة في الإسلام ، لأنّه يجب عليه إرجاع زوجته قبل أن يطلقها للمرّة الثانية ، كذلك قرأت بأنّ الناس الذين لا يعلمون أنّ شيئاً ما هو خطيئةً ، أو لا يعرفون الحكم الإسلامي ليسوا مُلزمين به حتى يصبحوا على دراية ، أرجو المساعدة!
أولا:
الطلاق يستوي فيه الجد والهزل؛ لما روى أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) ، والترمذي (1184) ، وابن ماجه (2039) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (1826).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما طلاق الهازل فيقع عند العامة، وكذلك نكاحه صحيح، كما هو متن الحديث المرفوع، وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (6/ 63).
فإذا كان زوجك قد خاطبك بالطلاق مازحا فقال لك : أنت طالق طالق طالق، فهذا هو طلاق الهزل، ويقع به الطلاق.
وإذا كان لم يقصد مخاطبتك بذلك، وإنما كان يحكي الكلمات التي يقع بها الطلاق ، أو يريد تذكّرها، ولم يقصد توجيهها لك ، جادا أو مازحا فهذه حكاية الطلاق، ولا يقع بها شيء.
ومثل ذلك أن يقول المعلم أو الطالب: من صور الطلاق أن يقول الإنسان: أنت طالق طالق طالق ، ولا يريد زوجته، وإنما يريد حكاية ما تعلمه ، أو تذكّر ذلك.
أو أن يأتي الزوج إلى شيخ فيقول له: لقد قلت لزوجتي: أنت طالق. فهذه الحكاية لا يقع بها طلاق جديد.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله : " ( الركن الثالث : قصد الطلاق ، فيشترط قصد اللفظ بمعناه ) ، أي : معه ، ليزيل ملك النكاح ... لأن المعتبر قصد اللفظ والمعنى معا .
واعتبر قصد المعنى ليخرج حكاية طلاق الغير، وتصوير الفقيه ، والنداء بطالق لمسمّاةٍ به " انتهى من "أسنى المطالب" (3/ 280).
ومراده بنداء المسمّاة به : أي نداء امرأة اسمها "طالق" ، بقوله : طالق أو يا طالق .
ثانيا:
إذا كان الطلاق قد وقع ، حسب التفصيل السابق : فإنه لا يقع إلا طلقة واحدة.
وذلك أن الراجح أن الطلاق الثلاث ، سواء كان بكلمة واحدة كقوله: أنت طالق ثلاثا، أو كان بكلمات، كأنت طالق طالق طالق فإنه يقع واحدة ، وكذا لو كان في مجالس متفرقة، ولم يتخللها رجعة ، أو عقد جيد ، فإنه يقع واحدة ، فلا يقع طلاق ثان أو ثالث إلا بعد رجعة أو عقد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والقول الراجح في هذه المسائل كلها : أنه ليس هناك طلاق ثلاث أبداً ، إلا إذا تخلله رجعة ، أو عقد ، وإلا فلا يقع الثلاث ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو الصحيح " انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 94).
والواجب على المسلم والمسلمة تعلم أحكام دينهما التي يحتاجان إليها، كتعلم أحكام النكاح لمن يريد النكاح، ويدخل في ذلك معرفة ما يقع به الطلاق الذي يزيل النكاح.
والله أعلم.