0 / 0

مقولة؛ ويخشى الله عليك من ظلم نفسك لنفسك فيؤدبك بالابتلاء

السؤال: 294081

ما حكم المقولة : " ويخشى الله عليك من ظلم نفسك لنفسك فيؤدبك بالابتلاء " ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

لا شك أن المعنى الظاهر المفهوم من العبارة: هو أن الله ينزل البلاء، بمن ينزله به من عباده، يحميهم بذلك من ظلم أنفسهم، فإن في النفس رعونات، وعندها خطيئات وذنوب، متى ما لقيت ربها، محملة بها، كان ذلك وبالا عليها، وخيف عليها من عاقبة ذلك.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.

رواه الترمذي (2399)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" وصححه الألباني.

فمن حكم نزول البلاء على العباد: أن يطهر النفوس من خطاياها، وآثامها، وأوزارها، وأن يطهرها أيضا من عيوبها، وأمراضها، ونقائصها.

قال الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ  التوبة/25 – 26.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَددهم وعُددهم، وقوة شوكتهم لِيُطامِن رؤوسا رُفِعت بالفتح، ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه منحنيا على فرسه، حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه، وخضوعا لعظمته، واستكانة لعزته، أن أحل له حرمه وبلده، ولم يحل لأحد قبله ولا لأحد بعده، وليبين سبحانه لمن قال: " لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلَّةٍ " أن النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تغن عنكم شيئا، فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم، أرسلت إليها خِلَع الجبر مع بريد النصر فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وأنزل جنودا لم تروها… " انتهى من "زاد المعاد" (3 / 418 – 419).

وقال رحمه الله تعالى:

" لولا محن الدنيا ومصائبها، لأصاب العبد – من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب – ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب، تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه كما قيل:

قَدْ يُنْعِمُ بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ … وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ

فلولا أنه – سبحانه – يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء، لطغوا، وبغوا، وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه أهله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقربه " انتهى من "زاد المعاد" (4 / 179).

وراجع جواب السؤال رقم : (35914 ) ، ورقم : (112905 ) .

ثانيا:

ما جاء في أول هذه المقالة من نسبة الخشية إلى الله تعالى: فيه نظر بيِّن؛ فإن ما ينسب إلى الله جل جلاله، من الأوصاف والأفعال: توقيفي؛ ينبغي التحرز فيه من الإطلاقات المجازية، والعبارات المرسلة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى واصفا اعتقاد أهل السنة والجماعة:

" فمن سبيلهم في الاعتقاد: "الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه" التي وصف بها نفسه، وسمى بها نفسه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله، من غير زيادة عليها ولا نقص منها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 / 2).

وقد قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله:

"قال [أي: الليث] : ونزلت بفلان بلية فارتاح الله له برحمته وأنقذه منها. وقال رؤبة:

فارْتاحَ رَبي، وأَرادَ رَحْمَتي

ونِعْمَةً، أَتَمَّها، فتَمَّتِ

وتفسير ارتاح أي نظر إلي ورحمني. قلت وقول رؤبة في فعل الخالق جل وعز ارتاح قاله بأعرابيته ونحن نستوحش من مثل هذا اللفظ في صفته لأن الله جل وعز إنما يوصف بما وصف به نفسه، ولولا أن الله هدانا بفضله لتحميده وحمده بصفاته التي أنزل في كتابه ما كنا لنهتدي لها أو نجترئ عليها " انتهى من "تهذيب اللغة" (5/141-142). وانظر أيضا : (5/128).

وقد نقل الإمام ابن منظور كلام الأزهري هذا، ثم نقل إنكار قول رؤبة عن غيره، وجعله من جفاء الأعراب. قال:

" قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما الْفَارِسِيُّ فَجَعَلَ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ جَفَاءِ الأَعراب، كَمَا قَالَ … ، وَكَمَا قَالَ سالمُ بنُ دارَةَ:

يَا فَقْعَسِيُّ، لِمْ أَكَلْتَه لِمَهْ؟ … لَوْ خافَكَ اللهُ عَلَيْهِ حَرَّمَهْ

فَمَا أَكلتَ لَحْمَه وَلَا دَمَهْ " انتهى من "لسان العرب" (2/461).

والظاهر أن هذا الرجز الأخير، رجز سالم بن دارة، الذي عده العلماء من "جفاء الأعراب": هو شبيه بما جاء في هذا الكلام " ويخشى الله عليك .." .

وعلى كل حال، فالسلامة لا يعدلها شيء ، والواجب التحرز في هذا الباب، وعدم إطلاق العنان للقلم واللسان، بلا ضابط من أدب الحديث عن الله جل جلاله، والإخبار عنه، وفي البيان العربي، وأساليبه الخالصة من الإشكال، ما يغني عن تلك المضايق؛ فلقائل أن يقول: " ويعلم الله من نفسك رعوناتها، فيريد أن يطهرها .." ، ونحو ذلك مما فيه سعة من القول، ونأي عن الحرج، وتجاوز حد الأدب مع الله جل جلاله.

والحاصل:

أن المعنى العام لهذه العبارة، وهو أن من حكم الله البلاء، تطهير النفوس مما نزل بها من الأدواء: معنى صحيح، يشهد له الشرع.

وأما التعبير عن ذلك، بقولهم : "ويخشى الله عليك .. " : ففيه مؤاخذة ، والواجب التعبير بالألفاظ السليمة، البعيدة عن اللبس والإيهام.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android