0 / 0
28,82324/07/2019

لماذا نشكر الله على نعمة العقل والسمع والبصر وهي أمور ضرورية ؟

السؤال: 311594

هذا السؤال يدور في رأسي ، وأريد الجواب ليطمئن قلبي فقط ، لماذا نشكر الله على نعم ضرورية كالعقل وصحة البدن ، فهي تعتبر ضرورية ؛ لأن خلقنا غير كاملين مسيء ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

على الإنسان أن يشكر ربه على نعمة أن أوجده من العدم، وعلى أن جعله إنسانا مكلفا، ولم يجعله جمادا ولا حيوانا.

وليس شيء من ذلك واجبا على الله تعالى، بل لا يجب عليه شيء إلا ما أوجب هو على نفسه.

فإيجادنا من العدم ، نعمة يترتب عليها عبادتنا له، واتباعنا لرسله، وتمتعنا بما أباح لنا من خيرات الأرض، ثم ما يعقب ذلك من النعيم المقيم لأهل طاعته، في جنته ودار كرامته.

ولهذا فقد امتن الله على عباده بهذه النعمة فقال :  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ  الروم/20 ، وقال :   اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ  الروم/40 .

وقال تعالى:  يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ  الانفطار/6-12 .

قال الشيخ السعدي، رحمه الله:

” يقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه، المتجرئ على مساخطه : يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟

أليس هو الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ في أحسن تقويم؟ فَعَدَلَكَ وركبك تركيبا قويما معتدلا في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات، فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن؟

إن هذا إلا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك، فاحمد الله أن لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار، أو نحوهما من الحيوانات؛ فلهذا قال تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ” انتهى، من “تفسير السعدي” (914).

ثانيا:

ليس شيء واجبا أو ضررويا على الله تعالى، بل هو سبحانه يفعل ما يشاء،   لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ  الأنبياء/23، فلو خلقك فاقدَ العقل، أو ناقص الحواس، لم يكن في ذلك إساءة له، ولا نقص في صفاته، وقد خلق الله أناسا كذلك، بلا عقل، أو بلا حواس؛ لحكمته التامة، وعلمه التام، فهو يبتلي بالخير وبالشر، وهو أعلم بما يصلح عباده.

ولم يكن لك حق سابق على الله، فيقضيه بهذا التمام الذي خلقك عليه؛ بل هو محض تفضل من المنعم الكريم، في كل حال.

فنحن نشكر الله على نعمة العقل، فقد يمكن أن يخلقنا حيوانات لا تعقل، أو يخلقنا أناسيَّ لا نعقل.

ونشكره على نعمة السمع والبصر والقلب، كذلك.

ونشكره على دوام هذه النعم، فقد يخلقك الله عاقلا ثم يسلبك العقل.

قال الله ممتنا على عباده بهذه النعم:  وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  النحل/78 .

قال ابن كثير رحمه الله: “ثم ذكر تعالى منته على عباده، في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، ثم بعد هذا يرزقهم تعالى السمع الذي به يدركون الأصوات، والأبصار اللاتي بها يحسون المرئيات، والأفئدة -وهي العقول-التي مركزها القلب على الصحيح، وقيل: الدماغ والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها.

وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده.

وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان، ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه… ولهذا قال تعالى: وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون، كما قال في الآية الأخرى: قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون [الملك: 23، 24] ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (4/ 589).

وقال تعالى:  هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا  الإنسان/1 – 3

قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله، في “أضواء البيان” (8/ 379): ” وقد ذكر تعالى نعمتين عظيمتين:

الأولى: إيجاد الإنسان من العدم، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، وهذه نعمة عظمى لا كسب للعبد فيها.

والثانية: الهداية بالبيان والإرشاد إلى سبيل الحق والسعادة، وهذه نعمة إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا كسب للعبد فيها أيضا.

وقد قال العلماء: هناك ثلاث نعم لا كسب للعبد فيها:

الأولى: وجوده بعد العدم.

الثانية: نعمة الإيمان.

الثالثة: دخول الجنة.

وقالوا: الإيجاد من العدم، تفضل من الله تعالى كما قال: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) [42 49 – 50]، ومن جعله الله عقيما فلن ينجب قط.

والثانية: الإنعام بالإيمان، كما في قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) القصص /56

وقد جاء في الحديث: ” كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه “. الحديث.

وكون المولود يولد بين أبوين مسلمين، لا كسب له في ذلك.

والثالثة: الإنعام بدخول الجنة كما في الحديث: ” لن يدخل أحدكم الجنة بعمله “. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا ; إلا أن يتغمدني الله برحمته “.

وقد ذكر تعالى نعمتين صراحة، وهما خلق الإنسان بعد العدم، وهدايته السبيل.

والثالثة: تأتي ضمنا في ذكر النتيجة: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) الإنسان /5; لأن الأبرار هم الشاكرون بدليل التقسيم: (شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) الإنسان/3-5″ انتهى.

وفصل الخطاب في هذا المقام: أن توقن بأن الله الخالق العظيم يفعل ما يشاء، وأنه لا يُسأل عما يفعل، وأنه كان يمكن أن يوجدك على غير الهيئة السوية التي أنت عليها، ولا يلحقه في ذلك نقص ولا مساءة؛ لأنه الخالق الفعال لما يريد. وحينئذ تدرك أنه أنعم عليك بآلاف النعم التي تحتاج إلى شكر، وأعظمها نعمة الإيمان به.

قال تعالى:  وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ  النحل/53 .

وقال:  وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ  إبراهيم/34 .

فاشكر الله تعالى على نعمه، وسله المزيد من فضله، ولا تكن من الجاحدين.

نسأل الله أن يثبتنا على دينه، وأن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android