أشخاص غير مسلمين اعتنقوا الإسلام، ارتكبوا جرائم قبل إسلامهم، مثل: قتل، تحرش، سرقة، اغتصاب، المقصد معاصي في حق عباد مسلمين، أعلم أن الإسلام يجب ما قبله، ولكن سؤالي أريد معرفة الموقف الشرعي والأخلاقي إذا كان هؤلاء الأشخاص لم يطلبوا السماح من الضحايا، أو البعض اعتذر، ولكن تراجع عن اعتذاره خوفا على مكانته وسمعته… الخ، ثم بعض الضحايا غضبوا، وأثار الموضوع؛ لأنه لم يحصل على اعتذار، فبرروا لأنفسهم بأنهم أسلموا، وتابوا إلى الله تعالى، والإسلام يمحوا ما قبله، هناك من يدافع عن تبريرهم، ويقول: بأن الإسلام يمحوا ما قبله، لذلك لا يلزمهم أن يطلبوا السماح من الضحايا، وهناك من يقول بالرغم من إسلامهم يجب عليهم طلب السماح. أريد أن أعرف الموقف الشرعي والأخلاقي للحكم على هذه الواقعة، وما هو الصواب هل بإسلامهم لا يلزمهم طلب السماح من العباد؛ لأن الله تعالى قد غفر لهم، أم ماذا؟
هل تسقط حقوق الآدميين عن الكافر إذا أسلم؟
السؤال: 345850
ملخص الجواب
إذا أسلم الكافر فإنه يغفر له ما سلف من آثام، وهذا أصل عام في الحقوق المتعلقة بالله تعالى كإثم الخمر والربا والفواحش ونحو هذا. وأما حقوق الآدميين ففيها تفصيل ينظر في الجواب المطول.
Table Of Contents
الإسلام يهدم ما كان قبله
إذا أسلم الكافر فإنه يغفر له ما سلف من آثام.
قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ الأنفال/38.
وعن عَمْرو بْن الْعَاصِ، قَالَ: "… فلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟
قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي.
قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ رواه مسلم (121).
وهذا أصل عام في الحقوق المتعلقة بالله تعالى كإثم الخمر والربا والفواحش ونحو هذا.
إذا أسلم الكافر هل تسقط عنه حقوق الآدميين؟
وأما حقوق الآدميين ففيها تفصيل. قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
"… عموم قوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وقول النبي: الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ .
وهذا عام في الحقوق التي تتعلق بالله كلها.
فإن قيل: المراد بذلك الكفر الأصلي، بدليل أن حقوق الآدميين تلزم المرتد؛ فوجب أن تلزمه حقوق الله.
فالجواب: أنه لا يجوز اعتبار حقوق الآدميين بحقوق الله، ولا حقوق الله بحقوق الآدميين، في الإيجاب والإسقاط؛ لأن حق الله يَستغني عنه، وحق الآدمي يَفتقر إليه؛ ألا ترى أن حقوق الله لا تجب على الصبي، وتلزمه حقوق الآدميين." انتهى من"أحكام القرآن" (2 / 854).
فحقوق المسلمين التي اعتدى عليها الكافر قبل إسلامه، يجب النظر هنا إلى حاله قبل إسلامه:
فالحالة الأولى: أن يكون حال كفره في حالة حرب للمسلمين، فهذا بإسلامه تسقط حقوق المسلمين التي عليه، كما تدل عليه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الذين أسلموا، بعد حربهم وقتالهم للمسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"الحربي إذا أسلم لم يؤخذ بشيء مما عمله في الجاهلية، لا من حقوق الله ولا من حقوق العباد، من غير خلاف نعلمه، لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) رواه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية) متفق عليه.
ولهذا أسلم خلق كثير، وقد قتلوا رجالا يُعرفون، فلم يطلب أحد منه بقود ولا دية ولا كفارة…
وكذلك أيضا لم يضمِّن النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم مالا أتلفه للمسلمين، ولا أقام على أحد حد زنى أو سرقة أو شرب أو قذف، سواء كان قد أسلم بعد الأسر أو قبل الأسر، وهذا مما لا نعلم بين المسلمين فيه خلافا، لا في روايته ولا في الفتوى به.
بل لو أسلم الحربي، وبيده مال مسلم قد أخذه من المسلمين، بطريق الاغتنام ونحوه مما لا يملك به مسلم من مسلم، لكونه محرما في دين الإسلام، كان له ملكا، ولم يرده إلى المسلم الذي كان يملكه، عند جماهير العلماء، من التابعين ومن بعدهم، وهو معنى ما جاء عن الخلفاء الراشدين، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، ومنصوص أحمد، وقول جماهير أصحابه، بناء على أن الإسلام أو العهد قرر ما بيده من المال الذي كان يعتقده ملكا له؛ لأنه خرج عن مالكه المسلم في سبيل الله، ووجب أجره على الله، وأخذه هذا مستحلا له، وقد غفر له بإسلامه ما فعله في دماء المسلمين وأموالهم، فلم يضمنه بالرد إلى مالكه، كما لم يضمن ما أتلفه من النفوس والأموال، ولا يقضي ما تركه من العبادات، لأن كل ذلك كان تابعا للاعتقاد؛ فلما رجع عن الاعتقاد، غفر له ما تبعه من الذنوب… " انتهى من "الصارم المسلول" (1 / 296 – 300).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"… أنّ الكفار المحاربين إذا استولوا على أموال المسلمين، ثم أسلموا: كانت لهم، ولم ترد إلى المسلمين، لأنها أخذت في الله، وأجورهم فيها على الله، لما أتلفه الكفار من دمائهم، وأموالهم، فالشهداء لا يضمنون، ولو أسلم قاتل الشهيد، لم يجب عليه دية ولا كفارة؛ بالسنة المتواترة، واتفاق المسلمين، وقد أسلم جماعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد عُرف من قتلوه، مثل وحشي بن حرب قاتل حمزة، ومثل قاتل النعمان بن قوقل وغيرهما، فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا بشيء، عملا بقوله: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) " انتهى من"أحكام أهل الذمة" (2 / 860).
وعلى ذلك؛ فإن الحربي إذا أسلم لا يجب عليه الاعتذار، وطلب عفو المظلومين؛ لكن لا شك أنه إن فعل ذلك لترسيخ أخوته بالمسلمين، وإزالة ما في قلوب المظلومين من بغض له، فهذا الأفضل.
الحالة الثانية:
أن يكون مجاورا للمسلمين بعهد بينهم، فهذا الأصل فيه أن يطالَب بحقوق من ظلمهم واعتدى عليهم، كما له أن يطالِب بحقوقه منهم إن اعتدوا عليه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
"وما أصاب الحربي المستأمن أو الذمي لمسلم أو معاهد من دم أو مال: أُتْبِع به؛ لأنه كان ممنوعا أن يَنال، أو يُنال منه." انتهى من "الأم" (7 / 95).
فمثل هذا، إذا أسلم، أو تاب، قبل القدرة عليه، بعد اعتداء على نفس مسلم أو ماله أو عرضه، فإنها لا تسقط حقوق المعتدى عليه بمجرد إسلام هذا المعتدي.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
"أما الكافر الحربي: فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب.
وأما إن دخل إلينا بأمان، فقذف مسلما، فإنه يحد، وإن سرق قطع.
وكذلك الذمي: إذا قذف حُد ثمانين، وإذا سرق قطع، وإن قتل قتل.
ولا يسقط الإسلام ذلك عنه، لنقضه العهد حال كفره، على رواية ابن القاسم وغيره." انتهى من "تفسير القرطبي" (9 / 502).
وقال البهوتي رحمه الله تعالى:
"(ويؤخذ غير حربي) من ذمي أو معاهد ومستأمن (أسلم بحق الله تعالى) إن وجب عليه حال كفره كنذر وكفارة… (وحق آدمي طلبه)، من قصاص في نفس أو دونها، وغرامة مال، ودية ما لا قصاص فيه، وحد قذف كما قبل الإسلام. وقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، وحديث (الإسلام يجب ما قبله)، في الحربيين، أو خاص بالكفر؛ جمعا بين الأدلة." انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3 / 384).
فعلى مثل هذا الشخص أن يؤدي الحقوق إلى من ظلمهم أو يطلب عفوهم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة