لدي دين عند شخص، وجحدني في رده، فهل أسامحه عندما أسمع بموته، أم أسامحه بين يدي الله تعالى؟
هل يسامح من ظلمه إذا علم بموته؟ أم يسامحه بين يدي الله؟
السؤال: 389884
ملخص الجواب
العفو في الدنيا مقطوع به، وكلما بادرت إليه كان أفضل وأحسن، وأما: في الآخرة، فلا يدري العبد ما يكون من حاله وحال الناس يومئذ؛ فبادر بالإسماح والعفو، وأنت مالك أمره، وترجو أجره من الله وذخره.
Table Of Contents
أولا:
أمر الشرع بالمبادرة إلى العمل الصالح، ومنها العفو
إذا أردت أن تسامحه فلتسامحه الآن، مبادرة إلى العمل الصالح، فإن المبادرة إلى العمل الصالح أمر الله تعالى بها، فقال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران/133.
وثواب العفو عظيم، قال الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الشورى/40.
وقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (15)، من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا فِي النَّارِ: هَلْ تَلْقَوْنَ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي والحديث: حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (3641)، وقال محققو المسند (إسناده حسن).
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ، قَالَ: كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، فَأَتَجَوَّزُ عَنِ المُوسِرِ، وَأُخَفِّفُ عَنِ المُعْسِرِ، فَغُفِرَ لَهُ رواه البخاري (2391)، ومسلم (1560).
وعن أبي اليسر، رضي الله عنه: أنه سمع رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ رواه مسلم (3006).
فإن كان صاحبك معسرا، وكان من عزمك أن تسامحه، وتتجاوز عنه: فبادر من الآن، فهو خير لك، وتخفف عن أخيك، وترفع عنه هم الدين، وثقله، وتبرئ ذمته من تبعته.
ثانيا :
هل يسامح عن حقة في الدنيا أو في الآخرة؟
وقوع المسامحة في الدنيا ممكن لصاحبه، متى أراد ذلك، وعزم عليه. وأما وقوعها في الآخرة ، فلا يدري المرء ما يكون من حاله.
هذا مع أن بعض أهل العلم ذكر المسامحة بين العباد في الآخرة، والتعافي بينهم. كما فعل القرطبي في "التذكرة" (ص 362)، وغيره ، واستدلوا عليها بأحاديث، غير أنها لا تخلو جميعها من مقال، فليس فيها ما يثبت بها هذا الحكم الغيبي، الذي لا سبيل إلى إثباته إلا بنص شرعي.
وأشهر الأحاديث التي استدلوا بها : حديثان :
الحديث الأول :
روى الحاكم (8718) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي، قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَّانِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبً مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وقال الحاكم : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
ولكن الحديث ضعيف .
قال العراقي في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" (3/106): "أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، وكذا أبو يعلى الموصلي خرجه بطوله. وضعفه البخاري وابن حبان" انتهى.
وتعقب الذهبيُّ الحاكم قائلا: "عباد ضعيف ، وشيخه لا يعرف" انتهى .
وعباد هو عباد بن شيبة ، قال عنه ابن حبان في "المجروحين" ( 2/171): "منكر الحديث جداً على قلة روايته ، لا يجوز الاحتجاج بِهِ لما انفرد بِهِ من المناكير" انتهى.
ولهذا قال الألباني في "ضعيف الترغيب" (1469) عن هذا الحديث: ضعيف جدا.
الحديث الثاني:
ما رواه ابن أبي حاتم (17242) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَحْمَسِيُّ أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ الرَّبِيعُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أُخْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُمَا قَالَتْ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُخْبِرُكُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجْمَعُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَمَنْ يَدْرِي أَيْنَ الطرفان؟ فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، يَا أَهْلَ، التَّوْحِيدِ فَيَشْرَئِبُّون قال أبو عاصم: يرفعون رؤوسهم- ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ يُنَادِي الثَّالِثَةَ: يَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا، عَنْكُمْ قَالَ: فَيَقُومُ النَّاسُ قَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي ظُلامَاتِ الدُّنْيَا- يَعْنِي الْمَظَالِمَ- ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ، لِيَعْفُ بَعْضُكُمْ، عَنْ بَعْضٍ وَعَلَى اللَّهِ الثَّوَابُ.
ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (1390) وقال : "لا يروى هذا الحديث عن أم هانئ إلا بهذا الإسناد، تفرد به: أبو عاصم الثقفي الكوفي" انتهى.
وأبو عاصم قال عنه أبو حاتم رحمه الله : "منكر الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" (3/455)،(2055).
والحاصل:
أن العفو في الدنيا مقطوع به، وكلما بادرت إليه كان أفضل وأحسن، وأما: في الآخرة، فلا يدري العبد ما يكون من حاله وحال الناس يومئذ؛ فبادر بالإسماح والعفو، وأنت مالك أمره، وترجو أجره من الله وذخره.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب