0 / 0

لماذا تجب الزكاة في المال المدخر لشراء مسكن ولا تجب في المسكن ذاته؟

السؤال: 406688

لماذا لاتجب الزكاة على البيت المخصص للسكن، بينما تجب على المال المدخر لشراء بيت لأول مرة للسكن؟ أليس الأولى هو عدم الزكاة فيه؟ يعني شخص يسكن في الإيجار، ويدخر نقودا يوما بعد يوم ليشتري بيتا فتجب الزكاة في ماله إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، بينما الذي ملك بيتا وسكن فيه لا شيء عليه؟ أليس للأحكام علل؟

الجواب

أولا :

الأموال التي تجب فيها الزكاة

دلت الأدلة الشرعية على أن الزكاة لا تجب في كل مال يملكه المسلم، وإنما تجب في أموال محددة، وهي:

1- الذهب والفضة، ويلحق بهما الآن الأوراق النقدية.

فقد جاء في “قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي” : ” وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان [الذهب والفضة] والعروض المعدة للتجارة ” انتهى من ” القرار/6، (ص/101) .

وجاء في “قرار هيئة كبار العلماء” (1/88):

” وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية ؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها : أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته ، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان … ، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية :

… … …

ثانياً: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها ” انتهى.

2- بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) .

3- الخارج من الأرض (الزروع والثمار والركاز) .

4- عروض التجارة . وهي كل ما اتخذه صاحبه للتجارة فيه طلبا للربح ، كالسيارات والعقارات والثياب وغيرها .

وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة في هذه الأموال ، إلا خلافا ضعيفا في عروض التجارة .

ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ” مجموع الفتاوى” (25/10) عن ابن المنذر رحمه الله أنه قال : “أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ : فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ

وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ (القمح) وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ . إذَا بَلَغَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ” انتهى .

وينظر جواب السؤال رقم: (49632) ، (220039) .

أما ما سوى ذلك من الأموال فلا زكاة فيها ، مهما بلغت قيمتها .

ثانيا :

حكم الزكاة في الأشياء التي يقتنيها الإنسان

الأشياء التي يقتنيها المسلم بقصد استعمالها وليس بقصد التجارة فيها: ليس فيها زكاة بإجماع العلماء ، وتسمى عند الفقهاء : “أموال القنية” .

والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) رواه مسلم (982) .

قال النووي رحمه الله في “شرح صحيح مسلم” : ” هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي أَنَّ أَمْوَال الْقِنْيَة لا زَكَاة فِيهَا , وَأَنَّهُ لا زَكَاة فِي الْخَيْل وَالرَّقِيق إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

” فلا زكاة على الإنسان فيما يقتنيه من الأواني والفروش والمعدات والسيارات والعقارات وغيرها حتى وإن أعده للإيجار، فلو كان عند الإنسان عقارات كثيرة تساوي قيمتها الملايين ولكن لا يتَّجر بها ـ أي لا يبيعها ولا يشتري بدلها للتجارة مثلاً ـ ولكن أعدها للاستغلال؛ فإنه لا زكاة في هذه العقارات ولو كثرت ، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من أجرة أو نماء ، فتجب الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول من العقد ، فإن لم يتم عليها الحول فلا زكاة فيها ، لأن هذه الأشياء الأصل فيها براءة الذمة حتى يقوم فيها دليل على الوجوب .

بل قد دل الدليل على أن الزكاة لا تجب فيها في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فإنه يدل على أن ما اختصه الإنسان لنفسه من الأموال غير الزكوية ليس فيه صدقة أي ليس فيه زكاة ، والأموال التي أعدها الإنسان للاستغلال من العقارات وغيرها لا شك أن الإنسان قد أرادها لنفسه ولم يردها لغيره ؛ لأنه لا يبيعها ولكنه يستبقيها للاستغلال والنماء” انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (18/254) .

ثالثا :

الفرق بين الأموال التي تجب فيها الزكاة والتي لا تجب 

الفرق بين الأموال التي تجب فيها الزكاة والتي لا تجب : أن الشريعة أوجبت الزكاة في الأموال النامية ، كبهيمة الأنعام ، والزروع والثمار ، فإنها تنمو بنفسها ، وأما النقود والذهب والفضة فإنها قابلة للنماء بالتجارة فيها .

وأما الأموال التي يقتنيها الإنسان بقصد استعمالها كالمسكن والسيارة … وغيرها ، فإنها ليست معدة للنماء .

وهذا من رحمة الشرعية وحكمتها ، فإنها لو فرضت الزكاة في جميع الأموال لكان في ذلك مشقة على المسلم ، حيث إن الزكاة بمرور السنين ستأكل أمواله الضرورية للحياة .

وأوجبت الشريعة الزكاة في الأموال النامية ليكون إخراج الزكاة سهلا على المسلم ، حيث يخرج الزكاة من نماء الأموال .

قال ابن القاسم رحمه الله في حاشيته على “الروض المربع” (3/256) :

“والزكاة إنما شرعت في الأموال النامية” انتهى .

وقال ابن قدامة رحمه الله :

“وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَشْيَاءِ النَّامِيَةِ ، لِيُخْرِجَ مِنْ النَّمَاءِ فَيَكُونَ أَسْهَلَ” انتهى من “المغني” (4/169) .

وقال أيضا (4/74) :

“وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ ، أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ مُرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ ، فَالْمَاشِيَةُ مُرْصَدَةٌ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ مُرْصَدَةٌ لِلرِّبْحِ ، وَكَذَا الْأَثْمَانُ [الذهب والفضة والنقود] ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ ؛ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ النَّمَاءِ ، لِيَكُونَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنَّهُ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ حَقِيقَةَ النَّمَاءِ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِ ، وَعَدَمِ ضَبْطِهِ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ضَابِطٍ ، كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى تَعَاقُبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ مَرَّاتٍ ، فَيَنْفَدَ مَالُ الْمَالِكِ .

أَمَّا الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ ، فَهِيَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهَا ، تَتَكَامَلُ عِنْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهَا ، فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا حِينَئِذٍ ، ثُمَّ تَعُودُ فِي النَّقْصِ لَا فِي النَّمَاءِ ؛ فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ ، لِعَدَمِ إرْصَادِهَا لِلنَّمَاءِ ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مُسْتَفَادٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ ، بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلنَّمَاءِ ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَثْمَانَ قِيَمُ الْأَمْوَالِ ، وَرَأْسُ مَالِ التِّجَارَاتِ ، وَبِهَا تَحْصُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ ، وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ لِذَلِكَ ، فَكَانَتْ بِأَصْلِهَا وَخِلْقَتِهَا ، كَمَالِ التِّجَارَةِ الْمُعَدِّ لَهَا” انتهى .

وبهذا يظهر الفرق بين النقود المدخرة لشراء منزل ، ففيها الزكاة ، لأنها قابلة للنماء بالتجارة فيها.

وأما المنزل نفسه فغير قابل للنماء ، وإنما هو للاقتناء فلا زكاة فيه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android