آية الكرسي تحمي من كلِّ شر، لكن لا يزال المرء يعاني من الأحلام المزعجة عندما يقرأها قبل النوم، وهذا لا ينبغي أن يحدث لأنها تحمي من الشَّر، والأحلام السيئة من الشيطان، أيضًا، هناك حالات يعاني فيها الناس من شلل النوم، ويقول بعض المسلمين: إنهم يشعرون بتحسُّن عند قراءة "آية الكرسي" خلال ذلك، حتى إن الهندوس يزعمون أنهم يشعرون بتحسُّن عند قراءة هانونان تشاليسا، ويقول النصارى: إن شلل النوم يزول فورًا عند ذكر اسم المسيح، إذا كانت المعجزات تحدث في جميع الأديان، فما الذي يجعل الإسلام مميزًا ولماذا هو صحيح؟
أولا:
ثبت في الحديث الصحيح: أن أبا هريرة رضي الله عنه أمسك الشيطان، وكان يسرق من الصدقة، فقال له: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له الشيطان:
"دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا.
قُلْتُ: مَا هُو؟
قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ)؛ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ .
قال أبو هريرة: فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.
قَالَ: مَا هِيَ ؟ قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ. تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ .
رواه البخاري (2311) تعليقا، قال: "وقال عثمان بن الهيثم".
وعثمان هذا من شيوخ البخاري في "الصحيح"، ولذلك جعله بعض أهل العلم متصلا. وهو الذي صححه النووي.
وقال الشيخ الألباني، رحمه الله: "هذا معلق، وقد وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم بسند صحيح". انتهى، من "مختصر صحيح البخاري" حديث رقم (363).
ثانيًا:
الأذكار والرقى التي يقرؤها الإنسان: هي لون من دعاء الله تعالى، والتوسل إليه.
وكما أن للدعاء موانع تمنع من إجابته؛ فكذلك قد يقوم بالعبد من الموانع، ما يحرمه من آثار الرقى والأذكار، وتحقق بركتها التي وعد بها .
قال ابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي" (ص 8، 9) بعد أن ذكر الاستشفاء بقراءة سورة الفاتحة:
"ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها، ويرقى بها: هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعى قَبول المحل، وقوة همة الفاعل، وتأثيره.
فمتى تخلف الشفاء، كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه، يمنع أن ينجع فيه الدواء.
كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام، كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول.
وكذلك القلب؛ إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة، وهمة مؤثرة: أثَّر في إزالة الداء.
وكذلك الدعاء؛ فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاءً لا يحبه الله، لما فيه من العدوان. وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله، وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا؛ فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا.
وإما لحصول المانع من الإجابة، من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها".
ثم قال (ص 26): "والأدعية والتعوذات: بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحدِّه فقط.
فمتى كان السلاح سلاحا تاما، لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو.
ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة، تخلف التأثير، فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثَمَّ مانع من الإجابة: لم يحصل الأثر" انتهى.
ويمكنك الاطلاع على مزيد تفصيل في جواب الأسئلة رقم: (398507)، (335778)، (217203)
ثالثًا:
بخصوص بعض النفع أو الشفاء بالرقى في الديانات الأخرى فهذا إن صح فهو:
1-إما أن يكون الدعاء والاستعاذة لا مخالفة فيها، مع كون الداعي مضطرًا، قال الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ النمل/62.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: "ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللَّجأ، تنشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عمّا سواه.
وللإخلاص عنده سبحانه: موقع، وذمة، وُجِد من مؤمنٍ، أو كافر، طائع أو فاجر... " انتهى، من "تفسير القرطبي" (16 / 193).
قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى: "وإجابة الله لدعاء العبد، مسلما كان أو كافرا، وإعطاؤه سؤله: من جنس رزقه لهم، ونصره لهم، وهو مما توجبه الربوبية للعبد مطلقا، ثم قد يكون ذلك فتنة في حقه، ومضرة عليه" انتهى، من "شرح الطحاوية" (ص 459).
2- أن يكون في هذا الرقى استعانة بالشياطين، فتعينهم على تحصيل مطلوبهم، متى كان ذلك في قدرتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك الرقى؛ والعزائم الأعجمية: هي تتضمن أسماء رجال من الجن يدعون؛ ويستغاث بهم، ويقسم عليهم بمن يعظمونه، فتطيعهم الشياطين بسبب ذلك في بعض الأمور.
وهذا من جنس السحر والشرك. قال تعالى: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) الآية" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (1/363).
3- أن يكون هذا من تأثير البلاسيبو، أو الدواء الوهمي. فقد ثبت في العديد من التجارب العلمية: أن اعتقاد أن شيئًا معينًا دواءً نافع، له تأثير إيجابي على العلاج، والسبب في ذلك هو التأثير على التصور العقلي، الذي ينعكس على التفاعلات الكميائية والفسيولوجية في الجسم.
كما تشير بعض الدراسات إلى أن الدواء الوهمي يمكن أن يكون له تأثير على حالات، مثل الاكتئاب، واضطرابات النوم، ومتلازمة القولون العصبي، وغير ذلك.
رابعًا:
لقائل أن يقول: قد يقال هذا أيضًا في الرقى الشرعية.
فنقول: نعم، ليست الرقى وتأثيرها: هي دليل صحة الإسلام، وعدم تأثيرها: ليس دليلا بطلانه، أو بطلان نفع هذا الرقى في نفسها، كما سبق. بل هي شعبة من شعبه، وفرع من فروعه العملية، التي تنبي على صحته، والإيمان به. وأما دلائل صحة الإسلام، وبطلان غيره من الديانات: فهي كثيرة جدًا. يمكن إجمالها في:
· دليل الفطرة
· البراهين العقلية
· المعجزات ودلائل النبوة
· النبوءات
· الشمائل والصفات
· جوهر الدعوة
· البشارات
· القرآن الكريم
وكل دليل من هذه الأدلة الإجمالية تحته العديد من الأدلة التفصيلية، التي لا يمكن حصرها، وفيها العديد من المؤلفات.
ويمكنك مراجعة بعضها في أجوبة الأسئلة رقم: (175339)، (387308)، (302617).
والله أعلم