موقف الصحابة من محطات ضيق الحال في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
والخلاصة :
أن عامة الأحاديث التي وصفت ما أصابه صلى الله عليه وسلم من ضيق الحال في بعض الأحيان ، إنما كانت عن رضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار منه لهذه الحال .
ثم قد ورد فيها نفسها أيضا ما قدمه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لتجاوز تلك الأزمات، وأنه هذه المقامات المتنوعة في حياته صلى الله عليه وسلم مظاهر كمال وجلال، وليست نقصا بوجه من الوجوه.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم آثر لنفسه هذه الحال ، واختارها ، لما خيره ربه ، ورضي به ، وكان مع ربه ، ومع أصحابه عليها . فما تكلفك في أمر غبت عنه ، لا تدري : لو كنت فيه ، ما كان يقضي فيك رب العالمين ؟!
أو تريد أن تعيب المهاجرين والأنصار ، لتمدح نفسك ؟!
أو فاتتهم فضيلة ، ومقام صدق ، وأدركته أنت ؟!
فالله الله في نفسك ، ودينك ، وقلبك يا عبد الله .
والله الله ، في مقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسابقتهم ، وبذلهم ، وغنائهم !!
قال جُبَيْرِ بْن نُفَيْرٍ رحمه الله :
( جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ، فَاسْتُغْضِبَ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللهُ عَنْهُ، لَا يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ فِيهِ، وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لَمْ يُجِيبُوهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، أَوَلَا تَحْمَدُونَ اللهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ إِلَّا رَبَّكُمْ، مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ، قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلَاءَ بِغَيْرِكُمْ ؟!
وَاللهِ لَقَدْ بَعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فِيهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلْإِيمَانِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ "، وَأَنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] ) .
رواه أحمد في مسنده (23810) ط الرسالة ، وصححه الألباني .
والله أعلم.
49,994