0 / 0
174,58424/06/2009

تفسير الإمام الشافعي لقوله تعالى ذلك أدنى ألا تعولوا

السؤال: 128619

ما مدى صحة حديث ( تزوجوا الولود الودود )، وعن تفسير الشافعي لقوله تعالى في سورة النساء ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) ، قال في تفسيره : أي لا تكثر عيالكم .
كيف يجمع بين الحديث والتفسير إذا كان الحديث صحيحا ؟
وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

وردت هذه الآية في شأن اليتيمة تكون في حجر وليها ، ثم يرغب في نكاحها ، من غير أن يعطيها مهر مثلها . قال الله تعالى :

( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء /3 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية :

” إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة ، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها ، فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ، ولم يضيق الله عليه .

وقوله : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أي : فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن كما قال تعالى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) النساء/129، فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة ، أو على الجواري السراري ، فإنه لا يجب قسم بينهن ولكن يستحب ، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج ” انتهى باختصار.

” تفسير القرآن العظيم ” (2/208-212) .

ثانيا :

اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى : ( ذلك أدنى ألا تعولوا )، على قولين :

القول الأول : ذلك أدنى ألا تظلموا وتجوروا ، وهذا قول جماهير المفسرين من الصحابة والتابعين والعلماء المحققين . روي ذلك عن وروى عن ابن عباس، وعائشة، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وأبي مالك وأبي رَزِين والنَّخعي، والشَّعْبي، والضحاك، وعطاء الخراساني، وقتادة، والسُّدِّي، ومُقاتل بن حَيَّان وغيرهم .

انظر : تفسير ابن أبي حاتم (4/13) ، تفسير ابن كثير (2/213) .

وهذا التفسير المروي عن جمهور السلف والعلماء ، قد اختاره أيضا غير واحد من المحققين .

ينظر : ” مجموع الفتاوى ” لابن تيمية (32/70-71) ، ” تفسير القرآن العظيم ” (2/212) .

قال الطحاوي رحمه الله :

” ولا نعلمه روي عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويلها غير هذا القول ، وقد روي عن غير واحد من التابعين في تأويلها مثل ذلك أيضا ” .

انتهى . ” شرح مشكل الآثار” (14/429) .

القول الثاني : ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم . قال الإمام الشافعي رحمه الله :

” أَنْ لَا يَكْثُرَ من تَعُولُونَ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ على وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ أَبَاحَ له أَكْثَرَ منها ” انتهى .

الأم ، للشافعي (6/275) ط دار الوفاء ، وانظر : أحكام القرآن للشافعي ، جمع البيهقي (1/274) .

وروي هذا القول أيضا عن سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم . انظر : تفسير ابن كثير (2/212) .

وهذا القول الثاني ، وإن كان خلاف المشهور في تفسيرها ، وخلاف المعنى المتبادر منها ، حتى صرح بعض أهل العلم بتغليطه ، وأنه لا أصل له في اللغة ؛ فقد انتصر لصحته في اللغة غير واحد من أهل العلم ، وصرح بعضهم بأنه لا تنافي بينه وبين القول الأول .

قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله :

” قال أكثر أهل التفسير: معناه: ذلك أقرب ألا تجوروا وتميلوا . وروى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) : أي أدنى ألا يكثر عيالكم .

قلت : وإلى هذا القول ذهب الشافعي ، فيما أخبرني عبد الملك عن الربيع عنه .

قلت : والمعروف في كلام العرب : عال الرجل يعول ، إذا جار، وأعال يُعيل إذا كثر عياله . ” وقد روى أبو عمر عن أحمد بن يحيى عن سَلَمة عن الفراء ، أن الكسائي قال: عال الرجل يَعيل : إذا افتقر، وأعال الرجل : إذا كثر عياله . قال الكسائي: ومن العرب الفصحاء من يقول: عال يعول : إذا كثر عياله .

قلت : وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي في تفسير الآية ، لأن الكسائي لا يحكى عن العرب إلاّ ما حفظه وضبطه . وقول الشافعي نفسه حجَّة ؛ لأنه عربيّ اللسان فصيح اللهجة ، وقد اعترض عليه بعض المتحذلقين فخطَّأه ؛ وقد عجل ولم يتثبت فيما قال . ولا يجوز للحضريّ أن يعجل إلى إنكار مالا يعرفه من لغات العرب ” انتهى . “تهذيب اللغة” (3/194-195) .

وقال الزمخشري في تفسيره :

” والذي يحكى عن الشافعي رحمه الله .. ، فوجهه أن يجعل من قولك : عال الرجل عياله يعولهم ، كقولهم : مانهم يمونهم ، إذا أنفق عليهم ، لأنّ من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب .

وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين ، حقيق بالحمل على الصحة والسداد ، وأن لا يظنّ به تحريف تعيلوا إلى تعولوا .. ، وكفى بكتابنا المترجم بكتاب شافي العيِّ ، من كلام الشافعي شاهداً بأنه كان أعلى كعباً وأطول باعاً في علم كلام العرب ، من أن يخفى عليه مثل هذا ، ولكن للعلماء طرقاً وأساليب . فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات .

فإن قلت : كيف يَقِل عيال من تَسَرِّى ، وفي السرائر نحو ما في المهائر[ أي: الحرائر] ؟

قلت : ليس كذلك ، لأن الغرض بالتزوّج التوالد والتناسل ، بخلاف التسرِّي ، ولذلك جاز العزل عن السراري بغير إذنهن ، فكان التسري مظِنَّة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج ، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع . ” انتهى . “الكشاف” (1/469) .

وينظر أيضا : الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ، للأزهري (352) ، رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي ، للبيهقي (115-119) وحواشي محققه ، أضواء البيان ، للشنقيطي (1/317-318) .

ثالثا :

بناء على ما سبق فلا إشكال بين الآية السابقة ، والأحاديث الصحيحة التي تدل على استحباب تكثير النسل ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (رقم/2050) وصححه ابن حجر في ” فتح الباري ” (9/13)، والشيخ الألباني في ” صحيح أبي داود “. فعلى القول المشهور الذي ذهب إليه الجمهور : لا إشكال ولا تعارض ؛ وإنما المراد : الاحتياط للعدل بين الزوجات ، أو الاقتصار على واحدة إذا خاف الظلم .

وقد ذكر ابن القيم هذا الاستشكال الظاهري بعد أن استعرض مجموعة من الأحاديث التي تدل على فضل الأولاد والأبناء ، ثم أجاب عن الاستشكال المبني على تفسير الإمام الشافعي من عشرة أوجه ، أهمها :

” يتعين الأول – يعني تفسير جماهير العلماء للآية وليس تفسير الشافعي – لوجوه:

أحدها : أنه المعروف في اللغة الذي لا يكاد يُعرف سواه ، ولا يعرف عال يعول إذا كثر عياله إلا في حكاية الكسائي ، وسائر أهل اللغة على خلافه .

الثاني : أنه مروي عن عائشة وابن عباس ، ولم يعلم لهما مخالف من المفسرين .

الثالث : أن الأدلة التي ذكرناها على استحباب تزوج الولود ، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة ترد هذا التفسير .

الرابع : أن سياق الآية إنما هو في نقلهم مما يخافون الظلم والجور فيه إلى غيره ، فإنه قال في أولها : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) فدلهم سبحانه على ما يتخلصون به من ظلم اليتامى ، وهو نكاح ما طاب لهم من النساء البوالغ ، وأباح لهم منه ، ثم دلهم على ما يتخلصون به من الجور والظلم في عدم التسوية بينهن فقال : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) ، ثم أخبر سبحانه أن الواحدة وملك اليمين أدنى إلى عدم الميل والجور ، وهذا صريح في المقصود .

الخامس : أنه من الممتنع أن يقال لهم : إن خفتم ألا تعدلوا بين الأربع فلكم أن تتسروا بمائة سرية وأكثر فإنه أدنى أن لا تكثر عيالكم .

السادس : أنه سبحانه قال : ( فإن خفتم ألا تعدلوا ) ولم يقل : ( وإن خفتم ألا تفتقروا أو تحتاجوا )، ولو كان المراد قلة العيال لكان الأنسب أن يقول ذلك .

انتهى ملخصا من ” تحفة المودود بأحكام المولود ” (ص/17-20) .

وعلى القول الثاني في تفسير الآية : يكون الأمر في الحديث عاما : أن يسعى المسلم إلى تكثير النسل ، وتكثير سواد المسلمين بالزوجة الولود ؛ لكن إن خاف أن يغلب على حق أهله ، أو يعجز عن الوفاء بكسبهم المشروع ، ونفقتهم الواجبة : فله أن يقتصر على واحدة من الزوجات ، وما عنده من الإماء ؛ ليكون ذلك أخف لحمله ، وأيسر لمؤونته ، وأبعد له عن العجز عن مقام الرعاية والكفاية ؛ وهذا كما أن الشرع أرشد إلى النكاح إرشادا عاما ، ثم إنه أمر من عجز عن ذلك بالعفة وأسبابها ، حتى ييسر الله له أمر زواجه . قال تعالى :

( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/32-33 .

ونحو ذلك ما رواه البخاري (4678) ومسلم (2485) عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android