أعمل بمهنة محاسب في شركة مقاولات لديها العديد من الفروع في جميع أنحاء المملكة ونشاط الشركة قائم على التعاملات المتمثلة فيما يلي: 1- يتم فتح ضمان بنكي عند استلام المشروع مقابل عمولات من البنك. 2- اعتمادات بنكية لصالح موردي الشركة لضمان حقوقهم مقابل عمولات من البنك. 3- قروض في صورة إعادة تمويل فواتير الاعتمادات مقابل نسبة ثابتة حسب سعر مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3% : 4% حسب البنك. 4- يتم السحب على المكشوف مقابل نسبة على الرصيد المدين اليومي (حيث يقوم البنك بخصم فائدة مقابل السحب على المكشوف تحسب على أساس الرصيد اليومي مضروب في معدل ثابت 11% سنويا). 5- تمويل المستخلصات للمشروعات لحين صرف الشيكات الخاصة بها مقابل نسبة يحددها البنك طبقا للسعر المحدد من قبل مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3% : 4% حسب البنك. 6- بالنسبة للتعامل مع بعض مقاولي الباطن يتم التعامل معهم بإضافة نسبة 1% شهريا على الرصيد المكشوف لدى الشركة . والسؤال : ما هو حكم هذه التعاملات التي تقوم بها الشركة؟ وإذا كان الجواب عدم جواز هذه التعاملات: 1- ما حكم عملي في هذه الشركة حيث إنني أعمل محاسباً بعيداً عن هذه التعاملات علماً بأنه ليس لدي عمل بديل وعندي مسؤوليات كثيرة؟
2- هل ينطبق الحكم على جميع العاملين في الشركة في مختلف التخصصات الوظيفية حيث يعمل لدى الشركة حوالي 7000 عامل تقريبا موزعون في الفروع والمواقع (مديرين ، مهندسين ، محاسبين ، إداريين ، معقبين ، فنيين ، مراقبين ، عمال)؟
3- ما حكم المال الذي تم اكتسابه خلال فترة عملي بالشركة وهل يجوز المطالبة بمستحقاتي عن فترة عملي بها (مكافأة نهاية الخدمة – تذاكر سفر….إلى آخره)؟
4- توجيه نصيحة لصاحب العمل؟
العمل في شركة تتعامل بالربا
السؤال: 129663
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
إذا كان الأمر كما ذكرت فإن كثيرا من معاملات الشركة مع البنك قائمة على الربا المحرم ، وعليه ، فلا يجوز العمل في إجراء هذا الربا أو كتابته أو تسجيله ؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ) .
وإذا كان عملك في المحاسبة لا يقتضي مباشرة الأعمال الربوية ولا الإعانة عليها ، فلا حرج عليك في الاستمرار فيه ، وهكذا المدراء والمهندسون والفنيون وغيرهم لا حرج عليهم في بقائهم في أعمالهم المباحة ولو كانت الشركة تتعامل بالربا .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا ، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية
فأجاب : “هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟
السائل: لا يكتب ، بل هو أنا يا شيخ! ( أي هو الموظف المسئول عنه ) .
الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه ، ولا تأخذه ولا تعطيه ، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه ، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا ” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (59/15).
ثانياً :
لا حرج في أخذك مكافأة نهاية الخدمة أو تذاكر السفر ، وفي الانتفاع براتبك ما دام عملك خاليا من الحرام ومن الإعانة عليه .
ثالثاً :
ينبغي نصح صاحب العمل بتقوى الله تعالى والبعد عن الربا ، والتعامل مع البنوك الإسلامية ، والبحث عن طرق التمويل المشروعة وهي كثيرة ، وسؤال أهل العلم عن معاملاته وما يحل منها وما يحرم ، فإن المال الحرام أمره عظيم ، وعاقبته سيئة ، وهو سبب لعدم قبول الدعاء والأعمال الصالحة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) .
قال ابن رجب رحمه الله : ” وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال ، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله ؛ فإنه قال بعد تقريره : (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) والمراد بهذا : أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح ، فما كان الأكل حلالا فالعمل الصالح مقبول ، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا . وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام) انتهى من “جامع العلوم والحكم” ص 100 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ : ( إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به ).
وينبغي أن يعلم أن الرزق مقسوم مكتوب ، فلا يستعجل في طلبه بطريق محرم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن روح القدس نفث في روعي : أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب