0 / 0

الكتاب المطبوع باسم “فتوح الشام”، هل تصح نسبته للواقدي؟

السؤال: 275833

هل تَصِح نسبة كتاب فتوح الشام للواقدي رحمه الله ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  قد يكون الواقدي ألف كتابا باسم "فتوح الشام" كما جزم بذلك ابن عساكر ، أما الكتاب المطبوع اليوم بهذا الاسم ، فإما أنه ليس هو الكتاب الذي ألفه الواقدي ، وإما أنه قد زيد فيه أشياء ونسبت للواقدي .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

نسب بعض أهل العلم إلى الواقدي كتابا باسم “فتوح الشام” ؛ ومن ذلك قول ابن عساكر رحمه الله تعالى:

” قرأت في كتاب فتوح الشام لمحمد بن عمر الواقدي، حدثني سعيد بن راشد وإبراهيم بن محمد عن عبد الملك بن مسلم … ” انتهى، من “تاريخ دمشق” (40 / 455).

وقال أيضا :

” عبد الله بن بسر أبو صفوان ويقال: أبو بسر المازني.

له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواية عنه…

وقدم دمشق أو ساحلها مجتازا من حمص إلى عكا، وركب منها البحر لغزو قبرس مع معاوية فيما ذكره الواقدي في فتوح الشام الذي صنفه ” انتهى. “تاريخ دمشق” (27 / 139 – 140).

وقال الحموي رحمه الله تعالى:

” وله من الكتب … كتاب السيرة. كتاب أمر الحبشة والفيل. كتاب حرب الأوس والخزرج. كتاب المناكح. كتاب يوم الجمل. كتاب صفين. كتاب مولد الحسن والحسين. كتاب مقتل الحسين. كتاب فتوح الشام … ” انتهى، من “معجم الأدباء” (6 / 2598).

ثانيا:

لكن الكتاب المطبوع باسم “فتوح الشام” شكك أهل العلم في نسبته للواقدي؛ وبعضهم قطع بعدم صحته؛ معتمدين في حكمهم هذا على عدة أمور:

الأمر الأول: هذه النسخ المطبوعة لكتاب “فتوح الشام” لا يعرف لها أصول مخطوطة موثوق بها.

قال أحمد عادل كمال :

” لقد اطلعنا على ثلاث طبعات من الكتاب، الأولى لدار الجيل ببيروت غير مثبت عليها سنة نشرها، والثانية للحلبي بمصر وبهامشه كتاب تحفة الناظرين … وبمضاهاة الطبعتين وجدناهما متطابقتين تماما ، فهما من أصل واحد لم يبن عنه أي من الناشرين ، ولم يقدم أحد منهما ما نشر بأي تقديم ، ولا ذكر شيئا من مصدره أو تحقيقه.

ثم اطلعنا على نسخة من طبع كلكتا عام 1854م تحقيق المستشرق الايرلندي وليم ناسوليس، وقد جاء في تقديمه أنه اعتمد على نسختين تختلف إحداهما عن الأخرى فروقا كبيرة جدا … وذكر أن النسخ الخطية لفتوح الشام قليلة وأن في المكتبات الشرقية في أوربا عشر نسخ حررت خمس منهما في السنوات 773 و827 و863 و 994 و 1009 هـ.

وقد اعتمد ناسوليس على نسخة تخص العقيد رو لنسون حررت عام 815 هـ، ووصفها بأنها نسخة دمشق وعلى نسخة ثانية تخص مولوي محمد حسن وهو مواطن من كانبور حررت عام 952 هـ، ولم تكتب أيا منهما بعناية ، وبهما أخطاء عديدة هجائية ونحوية وصرفية وخلط بين التذكير والتأنيث ، وبهما من التناقضات ما جعله يفترض أنه كان هناك إصدارين للكتاب، وأضاف أنه أحيانا لا يجد قطاعات بأكملها من صفحة أو أكثر في إحداهما، وأن نسخة كانبور أكثر امتلاء من نسخة دمشق في جزئها الأول ، بينما تزيد نسخة دمشق في جزئها الأخير، وأن محرر نسخة العقيد رو لنسون عمد إلى إجراء بعض التصحيحات حتى تبدو أنها أصلية غير مقلدة ، ولكنه لم يوفق في دقة النقل …

ولقد وجدنا في طبعة كلكتا فقرات بأكملها لم نجدها في طبعة دار الجيل ببيروت أو طبعة الحلبي بمصر ” انتهى. ” الطريق إلى دمشق” (ص 77 – 78).

الأمر الثاني: مغايرة أسلوب الكتاب لأساليب عصر الواقدي، ولأسلوب الواقدي نفسه.

قال الكاتب أحمد عادل كمال:

” لقد رجعنا ننظر في كتاب “فتوح الشام” المنسوب إلى الواقدي، وهو الذي يهمنا في بحثنا هذا، فوجدناه مليئا بالمبالغات الظاهرة ، والعبارات المسجوعة على ألسنة أبطال الفتوح ، خلافا لأسلوب عصرهم ” انتهى، من “الطريق إلى دمشق” (ص 77).

وقال الشيخ مشهور حسن آل سلمان:

” وقد بحث الأستاذ عبد العزيز الرفاعي هذه المسألة في كتاب ” خولة بنت الأزور” وخلص إلى ما توصلنا إليه، وعرَّج على كتاب “فتوح الشام”، وشكك في صحة نسبته للواقدي أيضا معتمدا على أن أسلوب الكتاب يخالف أسلوب الواقدي المعروف، وقال عن هذا الكتاب بأنه أشبه بكتاب لسرد الأساطير والحكايات، وفيه تناقض وتباين في المعلومات، ثم توصل إلى أنّ الكتاب إنْ كان للواقدي؛ فقد حصل فيه زيادات وتشويه” انتهى، من “كتب حذر منها العلماء” (2 / 291 – 292).

الأمر الثالث: مادة الكتاب فيها مبالغات ومعلومات لا تتوافق مع الأخبار التي ينقلها أهل العلم عن الواقدي؛ كما نبه على ذلك الأستاذ عبد العزيز الرفاعي.

قال محمد محمد حسن شراب:

” وفي عهد الضعف يكثر الخلق الفني لشخصيات خيالية، أو تضخيم شخصيات كان لها شأن يذكر في باب الشجاعة. ويبدو لي – والله أعلم – أن عصور الضعف التي حلت بالعرب المسلمين، هي التي ضخمت شخصية عنترة بن شداد، ومن لفّ لفّه من القصص الشعبي، وهي قصص رمزي يصنعه أهل الغيرة على الوطن، لحثّ الناس على الجهاد، وربما ألفّوا كتبا ونسبوها إلى شخصيات حقيقية في زمن سابق، كما فعلوا في كتاب “فتوح الشام” الذي نسبوه إلى الواقدي، وليس له صلة بالواقدي وإنما صنعه المؤلفون، ووضعوا فيه تاريخ فتح الشام بصورة تمزج الخيال بالواقع ، لحث الناس على طرد الصليبيين من بلاد الشام التي تضمخت بدماء الصحابة الفاتحين.

وربما كان من الشخصيات التي جمعت بين الحقيقة والخيال: شخصية ضرار بن الأزور وأخته خولة، لأن ضرار بن الأزور قتل أيام حرب الردّة، فكيف يشارك في فتح الشام؟ ” انتهى، من  “شرح الشواهد الشعرية” (3 / 283).

الأمر الرابع: يحتوي الكتاب على بعض الظواهر التي كان ظهورها بعد زمن الواقدي.

ومن ذلك ما جاء في الكتاب المطبوع “فتوح الشام” (1 / 231) :

” قال الواقدي: كنا يوما نقرأ فتوح الشام وفتوح بيت المقدس عند قبر أبي حنيفة، وكان الفتوح يقرأ على عبادة بن عوف الدينوري وكان من أهل الفضل وكان يسجع كلامه ” انتهى.

وتعظيم القبور بالجلوس عندها للتدريس أو الدعاء ونحو هذا لم يكن معروفا في عصر الواقدي؛ كما نص على ذلك أهل العلم عند نقدهم للرواية المكذوبة عن زيارة الشافعي لقبر أبي حنيفة ودعائه عنده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي أنه قال: ” إني إذا نزلت بي شدة أجيء فأدعو عند قبر أبي حنيفة فأجاب ” أو كلاما هذا معناه، وهذا كذلك معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل، فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا … ” انتهى، من “اقتضاء الصراط المستقيم” (2 / 206).

قال المعلمي رحمه الله تعالى:

” فإن زيارته قبر أبي حنيفة كل يوم بعيد في العادة، وتحريه قصده للدعاء عنده بعيد أيضاً، إنما يعرف تحري القبور لسؤال الحوائج عندها بعد عصر الشافعي بمدة، فأما تحري الصلاة عنده فأبعد وأبعد ” انتهى، من “التنكيل” (1 / 60).

والإمام الشافعي معاصر للواقدي؛ فالشافعي توفي سنة 204 هـ، والواقدي توفي سنة 207 هـ.

ثم إن قبر أبي حنيفة كان في مقبرة فكيف تعقد مجالس العلم عنده؟!

قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:

” وأقدم المقابر التي بالجانب الشرقي مقبرة الخيزران، فأخبرني أبو القاسم الأزهري، قال: أنبأنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: وأما مقابر الخيزران، فمنسوبة إلى الخيزران أم موسى وهارون، يعني: ابني المهدي، وهي أقدم المقابر فيها قبر أبي حنيفة، وقبر محمد بن إسحاق صاحب المغازي ” انتهى، من ” تاريخ بغداد” (1 / 448).

وإنما يتصور التدريس عنده بعد أن شيد عليه بناء وأزيل ما حوله، وهو أمر حادث بعد الواقدي بزمن طويل؛ حيث بدأ البناء على قبره في القرن الخامس الهجري.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

” وقرأت بخط أبي الوفاء ابن عقيل: كان قبر أبي حنيفة عليه خربشة رأيته وأنا صبي قبل دخول الغز بغداد، ثم عمل عليه بعض أمراء التركمان سقفا، ثم قدم شرف الملك في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة فأحدث هذه القبة، وكان قد وضع أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة، فهدم شرف الملك أبنية ذلك وما يحيط بالقبر وحفروا أساسات وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فأخرجوا أربعمائة صن من عظام الموتى.

قال ابن عقيل: فقلت: ما يدريكم لعله قد خرجت عظامه في هذه العظام، وبقيت القبة فارغة من مقصود بانيها.

وأنبأنا علي بن عبيد الله، عن أبي الحسين المهتدي قال: لا يصح أن قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبة، كان الحاج يردون فيطوفون حول المقبرة يزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعا ” انتهى، من “المنتظم” (8 / 144).

وقال شاكر مصطفى ، أيضا :

” كتب الفتوح .. فتوح الشام وفتوح العراق، وفي نسبتها إليه كثير من الشك … “. ثم قال في الهامش:

” ويلاحظ على هذه الكتب أنها تحمل الطابع الأسطوري الذي لا يعرفه الواقدي، كما أن فيها إشارات إلى شخصيات من القرن السادس والسابع (سيدي أبو مدين، سيدي أبو الحجاج الأقصري)، مما يكاد يجزم بأن هذه الكتب في حالتها التي وصلت إلينا بها على الأقل ليست للواقدي، وقد دخلتها الأسطورة في الغالب بعد القرن السابع الهجري ” انتهى، من “التاريخ العربي والمؤرخون” (1 / 164).

والخلاصة : قد يكون الواقدي ألف كتابا باسم “فتوح الشام” كما جزم بذلك ابن عساكر ، أما الكتاب المطبوع اليوم بهذا الاسم ، فإما أنه ليس هو الكتاب الذي ألفه الواقدي ، وإما أنه قد زيد فيه أشياء ونسبت للواقدي .

ومما يجدر الانتباه إليه؛ أن نسخ هذا الكتاب والتي كانت منتشرة في القرون الأخيرة قبل صدور هذه النسخ المطبوعة، قد نهى عن مطالعتها عدد من أهل العلم ، بناء على أن الكتاب مكذوب وموضوع على الواقدي ، أو – على الأقل – قد زيد فيه أشياء ، ونسبت للواقدي ؛ أو لأجل عدم الثقة في الواقدي نفسه ، ولا في نقله ، كما هو مشهور معلوم عند أهل الحديث .

قال القليوبي الشافعي المتوفى سنة (1069 هـ):

” والأولى للمعتكف الاشتغال بالعبادة ومجالسة أهل العلم والحديث ، وقراءة الرقائق والمغازي غير الموضوعة ، وإلا فتحرم كفتوح الشام وقصص الأنبياء وحكايتهم المنسوبة للواقدي ” انتهى، من “حاشية القليوبي على شرح المحلي” (2 / 77).

وقال محمد بن علان الصديقي المتوفى سنة (1057 هـ):

” ومن الموضوع : فتوح الشام للواقدي فيحرم قراءته ” انتهى، من “الفتوحات الربانية” (2 / 54).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android